فذلك قوله عز وجل: ﴿ وَٱقْتَرَبَ ٱلْوَعْدُ ٱلْحَقُّ ﴾ يعنى وعد البعث أنه حق كائن ﴿ فَإِذَا هِيَ شَاخِصَةٌ ﴾ يعنى فاتحة ﴿ أَبْصَارُ ٱلَّذِينَ كَفَرُواْ ﴾ بالبعث لا يطرفون مما يرون من العجائب، يعنى التى كانوا يكفرون بها فى الدنيا، قالوا: ﴿ يٰوَيْلَنَا قَدْ كُنَّا فِي غَفْلَةٍ مِّنْ هَـٰذَا ﴾ اليوم، ثم ذكر قول الرسل لهم فى الدنيا أن البعث كائن، فقالوا: ﴿ بَلْ كُنَّا ظَالِمِينَ ﴾ [آية: ٩٧] أخبرنا بهذا اليوم فكذبنا به.﴿ إِنَّكُمْ ﴾ يعنى كفار مكة ﴿ وَمَا تَعْبُدُونَ مِن دُونِ ٱللَّهِ حَصَبُ جَهَنَّمَ ﴾ يعنى رمياً فى جهنم ترمون فيها ﴿ أَنتُمْ لَهَا وَارِدُونَ ﴾ [آية: ٩٨] يعنى داخلون.﴿ لَوْ كَانَ هَـٰؤُلاۤءِ ﴾ الأوثان ﴿ آلِهَةً مَّا وَرَدُوهَا ﴾ يعنى ما دخلوها، يعنى جهنم، لامتنعت من دخولها ﴿ وَكُلٌّ ﴾ يعنى الأوثان ومن يعبدها ﴿ فِيهَا ﴾ يعنى فى جهنم ﴿ خَالِدُونَ ﴾ [آية: ٩٩] نزلت فى بنى سهم، منهم: العاص بن وائل، والحارث وعدى ابنى قيس، وعبد الله بن الزبعرى بن قيس، وذلك" أن النبى صلى الله عليه وسلم دخل المسجد الحرام، ونفر من بنى سهم جلوس فى الحطيم، وحول الكعبة ثلاث مائة وستون صنماً، فاشار بيده إليهم، فقال: ﴿ إِنَّكُمْ وَمَا تَعْبُدُونَ مِن دُونِ ٱللَّهِ ﴾ يعنى الأصنام ﴿ حَصَبُ جَهَنَّمَ أَنْتُمْ لَهَا وَارِدُونَ ﴾ [الأنبياء: ٩٨، ٩٩] إلى آيتين، ثم خرج فدخل ابن الزبعرى، وهم يخوضون فيما ذكر النبى صلى الله عليه وسلم لهم ولآلهتم، فقال: ما هذا الذى تخوضون؟ فذكروا له قول النبى صلى الله عليه وسلم، فقال الزبعرى: والله، لئن قالها بين يدى لأخصمنه. فدخل النبى صلى الله عليه وسلم من ساعته، فقال ابن الزبعرى: أهى لنا ولآلهتنا خاصة؟ أم لنا ولآلهتنا ولجميع الأمم ولآلهتهم؟ فقال النبى صلى الله عليه وسلم: " لكم ولآلهتكم ولجميع الأمم ولآلهتهم ". قال: خصمتك ورب الكعبة، ألست تزعم أن عيسى نبى، وتثنى عليه، وعلى أمه خيراً، وقد علمت أن النصارى يعبدونهما، وعزيز يعبد، والملائكة تعبد، فإن كان هؤلاء معنا قد رضينا أنهم معنا، فسكت النبى صلى الله عليه وسلم "ثم قال سبحانه: ﴿ لَهُمْ فِيهَا زَفِيرٌ ﴾ يعنى آخر نهيق الحمار ﴿ وَهُمْ فِيهَا لاَ يَسْمَعُونَ ﴾ [آية: ١٠٠] الصوت، وذلك حين يقال لأهل النار: اخسئوا فيها ولا تكلمون، فصاروا بكماً وعمياً وصماً. ثم استثنى ممن كان يعبد أنهم لا يدخلون جهنم، فقال سبحانه: ﴿ إِنَّ ٱلَّذِينَ سَبَقَتْ لَهُمْ مِّنَّا ٱلْحُسْنَىٰ ﴾ الجنة ﴿ أُوْلَـٰئِكَ عَنْهَا ﴾ يعنى جهنم ﴿ مُبْعَدُونَ ﴾ [آية: ١٠١] يعنى عيسى، وعزيراً، ومريم، والملائكة، عليهم السلام ﴿ لاَ يَسْمَعُونَ حَسِيَسَهَا ﴾ يقول: لا يسمع أهل الجنة صوت جهنم حين يقال لهم: اخسئوا فيها، ولا تكلموا، فتغلق عليهم أبوابها، فلا تفتح عنهم أبداً، ولا يسمع أحد صوتها.﴿ وَهُمْ ﴾ يعنى هؤلاء ﴿ فِي مَا ٱشْتَهَتْ أَنفُسُهُمْ خَالِدُونَ ﴾ [آية: ١٠٢] يعنى لا يموتون، فلما سمع بنو سهم بما استثنى الله، عز وجل، ممن يعبد من الآلهة، عزير، وعيسى، ومريم، والملائكة، قالوا للنبى صلى الله عليه وسلم: هلا استثنيت هؤلاء حين سألناك، فلما خلوت تفكرت. قوله سبحانه: ﴿ لاَ يَحْزُنُهُمُ ٱلْفَزَعُ ٱلأَكْبَرُ ﴾.
حدثنا أبو محمد، قال: حدثنى أبى، قال: حدثنا الهذيل، عن مقاتل، عن نعمان، عن سليم، عن ابن عباس، أنه قال على منبر البصرة: ما تقولون فى تفسير هذه الآية ﴿ لاَ يَحْزُنُهُمُ ٱلْفَزَعُ ٱلأَكْبَرُ ﴾؟ ثلاث مرات فلم يحبه أحد. فقال: تفسير هذه الآية أن الله، عز وجل، إذا ادخل أهل الجنة، ورأوا ما فيها من النعيم ذكروا الموت، فيخافون أن يكون آخر ذلك الموت فيحزنهم ذلك، وأهل النار إذا دخلوا النار ورأوا ما فيها من العذاب يرجون أن يكون آخر ذلك الموت، فأراد الله، عز وجل، أن يقطع حزن أهل الجنة، ويقطع رجاء أهل النار، فيبعث الله، عز وجل، ملكاً وهو جبريل، عليه السلام، ومعه الموت فى صورة كبش أملح، فيشرف به على أهل الجنة؛ فينادى: يا أهل الجنة، فيسمع أعلاها درجة وأسفلها درجة، والجنة درجات، فيجيبه أهل الجنة، فيقول: هل تعرفون هذا؟ فيقولون: نعم، هذا الموت، قال: ثم ينصرف به إلى النار، فيشرف به عليهم فينادى اهل النار، فيسمع أعلاها دركاً، وأسفلها دركاً، والنار دركات، فيجيبونه، فيقول: هل تعرفون هذا؟ فيقولون: نعم، قال: ثم يرده إلى مكان مرتفع بين الجنة والنار حيث ينظر إليه أهل الجنة، وأهل النار، فيقول الملك: إنا ذابحوه، فيقول أهل الجنة بأجمعهم: نعم، لكى يأمنوا الموت، ويقول أهل النار بأجمعهم: لا، لكى يذوقوا الموت، قال: فيعمد الملك إلى الكبش الأملح، وهو الموت فيذبحه، وأهل الجنة وأهل النار ينظرون إليه، فينادى الملك: يا أهل الجنة، خلود لا موت فيه، فيأمنون الموت. فذلك قوله تعالى: ﴿ لاَ يَحْزُنُهُمُ ٱلْفَزَعُ ٱلأَكْبَرُ ﴾ ثم ينادى الملك: يا أهل النار، خلود لا موت فيه. قال ابن عباس: فلولا ما قضى الله، عز وجل، على أهل الجنة من الخلود فى الجنة، لماتوا من فرحتهم تلك، ولولا ما قضى الله، عز وجل، على أهل النار من تعمير الأرواح فى الأبدان لماتوا حزناً. فذلك قوله، عز وجل:﴿ وَأَنْذِرْهُمْ يَوْمَ ٱلْحَسْرَةِ إِذْ قُضِيَ ٱلأَمْرُ... ﴾[مريم: ٣٩] يعنى إذ وجب لهم العذاب، يعنى ذبح الموت، فاستيقنوا الخلود فى النار والحسرة والندامة، فذلك قول الله، عز وجل، للمؤمنين: ﴿ لاَ يَحْزُنُهُمُ ٱلْفَزَعُ ٱلأَكْبَرُ ﴾ يعنى الموت بعد ما دخلوا الجنة.﴿ وَتَتَلَقَّاهُمُ ٱلْمَلاَئِكَةُ ﴾ يعنى الحفظة الذين كتبوا أعمال بنى آدم، حين خرجوا من قبورهم، قالوا للمؤمنين: ﴿ هَـٰذَا يَوْمُكُمُ ٱلَّذِي كُنتُمْ تُوعَدُونَ ﴾ [آية: ١٠٣] فيه الجنة.