﴿ سُورَةٌ ﴾ يريد فريضة وحكم ﴿ أَنزَلْنَاهَا وَفَرَضْنَاهَا ﴾ يعني وبيناها ﴿ وَأَنزَلْنَا فِيهَآ آيَاتٍ بَيِّنَاتٍ ﴾ يعني عز وجل آيات القرآن بينات، يعني واضحات، يعني حدوده تعالى وأمره ونهيه.
﴿ لَّعَلَّكُمْ ﴾ يعني لكي ﴿ تَذَكَّرُونَ ﴾ [آية: ١]، فتتبعون ما فيه من الحدود والنهي.﴿ ٱلزَّانِيَةُ وَٱلزَّانِي ﴾ إذا لم يحصنا ﴿ فَٱجْلِدُواْ كُلَّ وَاحِدٍ مِّنْهُمَا مِئَةَ جَلْدَةٍ ﴾ يجلد الرجل على بشرته وعليه إزار، وتجلد المرأة جالسة عليها درعها ﴿ وَلاَ تَأْخُذْكُمْ بِهِمَا رَأْفَةٌ فِي دِينِ ٱللَّهِ ﴾ يعني رقة في أمر الله، عز وجل، من تعطيل الحدود عليهما.
﴿ إِن كُنتُمْ تُؤْمِنُونَ بِٱللَّهِ وَٱلْيَوْمِ ٱلآخِرِ ﴾ الذى فيه جزاء الأعمال، فلا تعطلوا الحد.
﴿ وَلْيَشْهَدْ عَذَابَهُمَا ﴾ يعني جلدهما ﴿ طَآئِفَةٌ مِّنَ ٱلْمُؤْمِنِينَ ﴾ [آية: ٢] يعني رجلين فصاعدا، يكون ذلك نكالا لهما وعظة للمؤمنين. قال الفراء: الطائفة الواحد فما فوقه ﴿ ٱلزَّانِي ﴾ من أهل الكتاب ﴿ لاَ يَنكِحُ إِلاَّ زَانِيَةً ﴾ من أهل الكتاب ﴿ أَوْ ﴾ ينكح ﴿ مُشْرِكَةً ﴾ من غير أهل الكتاب من العرب، يعني الولائد اللاتي يزنين بالأجر علانية منهن أم شريك جارية عمرو بن عمير المخزومي، وأم مهزول جارية بن أبي السائب بن عايذ، وشريفة جارية زمعة بن الأسود، وجلالة جارية سهيل بن عمرو، وقريبة جارية هشام بن عمرو، وفرشي جارية عبد الله بن خطل، وأم عليط جارية صفوان بن أمية، وحنة القبطية جارية العاص بن وائل، وأميمة جارية عبد الله بن أُبي، ومسيكة بنت أمية جارية عبد الله بن نفيل، كل امرأة منهن رفعت علامة على بابها، كعلامة البيطار ليعرف أنها زانية، وذلك أن نفراً من المؤمنين سألوا النبي صلى الله عن تزويجهن بالمدينة، قالوا: إئذن لنا في تزويجهن، فإنهن أخصب أهل المدينة وأكثر خيراً، والمدينة غالية السعر، والخبز بها قليل، وقد أصابنا الجهد، فإذا جاء الله، عز وجل، بالخير طلقناهن وتزوجنا المسلمات، فأنزل الله عز وجل: ﴿ ٱلزَّانِي لاَ يَنكِحُ إلاَّ زَانِيَةً أَوْ مُشْرِكَةً ﴾ ﴿ وَٱلزَّانِيَةُ لاَ يَنكِحُهَآ إِلاَّ زَانٍ أَوْ مُشْرِكٌ وَحُرِّمَ ذٰلِكَ ﴾ يقول: وحرم تزويجهن ﴿ عَلَى ٱلْمُؤْمِنِينَ ﴾ [آية: ٣].
﴿ وَٱلَّذِينَ يَرْمُونَ ٱلْمُحْصَنَاتِ ﴾ يعني نساء المؤمنين بالزنا ﴿ ثُمَّ لَمْ يَأْتُواْ بِأَرْبَعَةِ شُهَدَآءَ ﴾ من الرجال على قولهم ﴿ فَٱجْلِدُوهُمْ ثَمَانِينَ جَلْدَةً ﴾ يجلد بين الضربين على ثيابه ﴿ وَلاَ تَقْبَلُواْ لَهُمْ شَهَادَةً أَبَداً ﴾ ما دام حياً ﴿ وَأُوْلَـٰئِكَ هُمُ ٱلْفَاسِقُونَ ﴾ [آية: ٤] يعني العاصين في مقالتهم. ثم استثنى، فقال: ﴿ إِلاَّ ٱلَّذِينَ تَابُواْ مِن بَعْدِ ذٰلِكَ ﴾ يعني بعد الرمى ﴿ وَأَصْلَحُواْ ﴾ العمل فليسوا بفساق ﴿ فَإِنَّ ٱللَّهَ غَفُورٌ ﴾ لقذفهم ﴿ رَّحِيمٌ ﴾ [آية: ٥] بهم" فقرأ النبي صلى الله عليه وسلم هاتين الآيتين في خطبة يوم الجمعة، فقال عاصم بن عدي الأنصاري للنبي صلى الله عليه وسلم: جعلنى الله فداك، لو أن رجلاً منا وجد على بطن امرأته رجلاً، فتكلم جلد ثمانين جلدة، ولا تقبل له شهادة في المسلمين أبداً، ويسميه المسلمون فاسقاً، فكيف لأحدنا عند ذلك بأربعة شهداء، إلى أن يلتمس أحدنا أربعة شهداء فقد فرغ الرجل من حاجته، فأنزل الله عز وجل في قوله: ﴿ وَٱلَّذِينَ يَرْمُونَ أَزْوَاجَهُمْ ﴾ بالزنا ﴿ وَلَمْ يَكُنْ لَّهُمْ شُهَدَآءُ إِلاَّ أَنفُسُهُمْ فَشَهَادَةُ أَحَدِهِمْ ﴾ يعني الزوج ﴿ أَرْبَعُ شَهَادَاتٍ بِٱللَّهِ إِنَّهُ لَمِنَ ٱلصَّادِقِينَ ﴾ [آية: ٦] إلى ثلاث آيات، فابتلى الله، عز وجل، عاصماً بذلك في يوم الجمعة الأخرى، فأتاه ابن عمه عويمر الأنصاري من بني العجلان بن عمرو بن عوف، وتحته ابنة عمه أخي أبيه، فرماها بابن عمه شريك بن السحماء، والخليل والزوج والمرأة كلهم من بني عمرو بن عوف، وكلهم بنو عم عاصم، فقال: يا عاصم، لقد رأيت شريكاً على بطن امرأتي، فاسترجع عاصم، فأتى النبي صلى الله عليه وسلم فقال: أرأيت سؤالي عن هذه والذين يرمون أزواجهم، فقد ابتليت بها في أهل بيتي، فقال النبي صلى الله عليه وسلم: " وما ذاك يا عاصم " فقال: أتاني ابن عمي فأخبرني أنه وجد ابن عم لنا على بطن امرأته، فأرسل النبي صلى الله عليه وسلم إلى الزوج والخليل والمرأة، فأتوه فقال النبي صلى الله عليه وسلم لزوجها عويمر: " ويحك اتق الله، عز وجل، في خليلتك وابنة عمك أن تقذفها بالزنا ". فقال الزوج: أقسم لك بالله، عز وجل، إني رأيته معها على بطنها، وإنها لحبلى منه، وما قربتها منذ أربعة أشهر. فقال النبي صلى الله عليه وسلم للمرأة - خولة بنت قيس الأنصارية -: " ويحك ما يقول زوجك "، قالت: أحلف بالله إنه لكاذب، ولكنه غار، ولقد رآني معه نطيل السمر بالليل، والجلوس بالنهار، فما رأيت ذلك في وجهه، وما نهاني عنه قط، فقال النبي صلى الله عليه وسلم للخليل: " ويحك ما يقول ابن عمك "، فحدثه مثل قولها، فقال النبي صلى الله عليه وسلم للزوج والمرأة: " قوما فأحلفا بالله، عز وجل "، فقام الزوج عند المنبر دبر صلاة العصر يوم الجمعة، وهو عويمر بن أمية، فقال أشهد بالله أن فلانة زانية، يعني امرأته خولة، وإني لمن الصادقين، ثم قال الثانية: أشهد بالله أن فلانة زانية، ولقد رأيت شريكاً على بطنها، وإني لمن الصادقين، ثم قال الثالث: أشهد بالله أن فلانة زانية، وإنها لحبلى من غيري، وإني لمن الصادقين، ثم قال في الرابعة: أشهد بالله أن فلانة زانية، وما قربتها منذ أربعة أشهر، وإني لمن الصادقين، ثم قال الخامسة: لعنة الله على عويمر، إن كان من الكاذبين عليها في قوله. ﴿ وَٱلْخَامِسَةُ أَنَّ لَعْنَةَ ٱللَّهِ عَلَيْهِ إِن كَانَ مِنَ ٱلْكَاذِبِينَ ﴾ [آية: ٧].
ثم قامت خولة بنت قيس الأنصاري مقام زوجها، فقالت: أشهد بالله ما أنا بزانية وإن زوجي لمن الكاذبين، ثم قالت الثانية: أشهد بالله ما أنا بزانية، وما رأى شريكاً على بطني، وإن زوجي لمن الكاذبين، ثم قالت الثالثة: أشهد بالله ما أنا بزانية، وإني لحبلي منه وإنه لمن الكاذبين، ثم قالت الرابعة: أشهد بالله ما أنا بزانية، وما رأى علي من ريبة ولا فاحشة، وإن زوجي لمن الكاذبين، ثم قالت الخامسة: غضب الله على خولة إن كان عويمراً من الصادقين في قوله. ففرق النبي بينهما "