ثم قال الله عز وجل: ﴿ وَلَوْلاَ فَضْلُ ٱللَّهِ عَلَيْكُمْ وَرَحْمَتُهُ ﴾ يعني ونعمته لأظهر المريب يعني الكاذب منهما، ثم قال ﴿ وَأَنَّ ٱللَّهَ تَوَّابٌ ﴾ على التائب ﴿ حَكِيمٌ ﴾ [آية: ١٠] حكم الملاعنة، ثم قال عز وجل: ﴿ إِنَّ ٱلَّذِينَ جَآءُوا بِٱلإِفْكِ ﴾ يعني بالكذب ﴿ عُصْبَةٌ مِّنْكُمْ ﴾ وذلك أن النبي صلى الله عليه وسلم انطلق غازياً، وانطلقت معه عائشة بنت أبي بكر، رضي الله عنهما، زوج النبي صلى الله عليه وسلم، ومع النبي صلى الله عليه وسلم يومئذ رفيق له، يقال له: صفوان بن معطل، من بنى سليم، وكان النبي صلى الله عليه وسلم إذا سار ليلاً مكث صفوان في مكانه، حتى يصبح، فإن سقط من المسلمين شىء من متاعهم حمله إلى العسكر فعرفه، فإذا جاء صاحبه دفعه إليه، وأن عائشة، رضى الله عنها، لما نودي بالرحيل ذات ليلة ركبت الرحل، فدخلت هودجها، ثم ذكرت حلياً كان لها نسيته في المنزل، فنزلت لتأخذ الحلي، ولا يشعر بها صاحب البعير، فانبعث فسار مع المعسكر، فلما وجدت عائشة، رضي الله عنها، حليها، وكان جزعاً ظفارياً لا ذهب فيه، ولا فضة، ولا جوهر، فإذا البعير قد ذهب، فجعلت تمشي على إثره وهى تبكي، وأصبح صفوان بن المعطل في المنزل، ثم سار في أثر النبي صلى الله عليه وسلم وأصحابه، فإذا هو بعائشة، رضي الله عنها، قد غطت وجهها تبكي، فقال صفوان: من هذا؟ فقالت: أنا عائشة، فاسترجع ونزل عن بعيره، وقال: ما شأنك يا أم المؤمنين؟ فحدثته بأمر الحلي فحملها على بعيره، ونزل النبي صلى الله عليه وسلم ففقد عائشة، رضى الله عنها، فلم يجدها فلبثوا ما شاء الله، ثم جاء صفوان وقد حملها على بعيره فقذفها عبد الله بن أبي، وحسان بن ثاتب ومسطح بن أثاثة بن عباد بن المطلب بن عبد مناف، وحمنة بنت جحش أخت عبد الله بن جحش الأسدي. يقول الله تعالى: ﴿ لاَ تَحْسَبُوهُ شَرّاً لَّكُمْ ﴾ لأنكم تؤجرون على ما قد قيل لكم من الأذى ﴿ بَلْ هُوَ خَيْرٌ لَّكُمْ ﴾ حين أمرتم بالتثبت والعظة ﴿ لِكُلِّ ٱمْرِىءٍ مِّنْهُمْ مَّا ٱكْتَسَبَ مِنَ ٱلإِثْمِ ﴾ على قدر ما خاض فيه من أمر عائشة، رضي الله عنها، وصفوان بن المعطل السلمي.
﴿ وَٱلَّذِي تَوَلَّىٰ كِبْرَهُ مِنْهُمْ ﴾ يعني عظمة منهم، يعني من العصبة، وهو عبد الله ابن أبي رأس المنافقين، وهو الذي قال: ما برئت منه، وما برئ منها.
﴿ لَهُ عَذَابٌ عَظِيمٌ ﴾ [آية: ١١] أي شديد. ففى هذه الآية عبرة لجميع المسلمين إذا كانت خطيئة، فمن أعلن عليها بفعل، أو كلام، أو عرض، أو أعجبه ذلك، أو رضى به، فهو شريك في تلك الخطيئة على قدر ما كان بينهم، والذي تولى كبره، يعني الذي ولى الخطيئة بنفسه، فهو أعظم إثماً عند الله، وهو المأخوذ به، قال: فإذا كانت خطيئة بين المسلمين فمن شهد وكره، فهو مثل الغائب، ومن غاب ورضي فهو كمن شهد، ثم وعظ الذين خاضوا في أمر عائشة، رضي الله عنها، فقال: ﴿ لَّوْلاۤ إِذْ سَمِعْتُمُوهُ ﴾ يقول: هلا إذ سمعتم قذف عائشة رضي الله عنها، بصفوان كذبتم به ألا ﴿ ظَنَّ ٱلْمُؤْمِنُونَ وَٱلْمُؤْمِنَاتُ ﴾ لأن فيهم حمنة بنت جحش ﴿ بِأَنْفُسِهِمْ خَيْراً ﴾ يقول: ألا ظن بعضهم ببعض خيراً بأنهم لم يزنوا ﴿ وَ ﴾ ألا ﴿ وَقَالُواْ هَـٰذَآ إِفْكٌ مُّبِينٌ ﴾ [آية: ١٢] يقول: ألا قالوا هذا القذف كذب بين، ثم ذكر الذين قذفوا عائشة، فقال: ﴿ لَّوْلاَ ﴾ يعني هلا ﴿ جَآءُوا عَلَيْهِ ﴾ يعني على القذف ﴿ بِأَرْبَعَةِ شُهَدَآءَ فَإِذْ لَمْ يَأْتُواْ بِالشُّهَدَآءِ ﴾: بأربعة شهداء ﴿ فَأُوْلَـٰئِكَ عِندَ ٱللَّهِ هُمُ ٱلْكَاذِبُونَ ﴾ [آية: ١٤] يقول: لأصابكم فيما قلتم من القذف العقوبة في الدنيا والآخرة، فيها تقديم ﴿ وَلَوْلاَ فَضْلُ ٱللَّهِ عَلَيْكُمْ وَرَحْمَتُهُ ﴾ لأصابكم فيما قلتم من القذف العقوبة في الدنيا والآخرة، فيها تقديم ﴿ فِي ٱلدُّنْيَا وَٱلآخِرَةِ لَمَسَّكُمْ فِي مَآ أَفَضْتُمْ فِيهِ عَذَابٌ عَظِيمٌ ﴾ [آية: ١٤] يقول لأصابكم فيما قلتم من القذف العقوبة في الدنيا والآخرة، فيها تقديم ﴿ إِذْ تَلَقَّوْنَهُ بِأَلْسِنَتِكُمْ ﴾ يقول: إذ يرويه بعضكم عن بعض ﴿ وَتَقُولُونَ بِأَفْوَاهِكُمْ ﴾ يعني بألسنتكم ﴿ مَّا لَّيْسَ لَكُمْ بِهِ عِلْمٌ ﴾ يقول: من غير أن تعلموا أن الذي قلتم من القذف حق ﴿ وَتَحْسَبُونَهُ هَيِّناً ﴾ يقول: تحسبون القذف ذنباً هيناً ﴿ وَهُوَ عِندَ ٱللَّهِ عَظِيمٌ ﴾ [آية: ١٥] في الوزر، ثم وعظ الذين خاضوا في أمر عائشة، رضي الله عنها، فقال سبحانه: ﴿ وَلَوْلاۤ ﴾ يعني هلا ﴿ إِذْ سَمِعْتُمُوهُ ﴾ يعني القذف ﴿ قُلْتُمْ مَّا يَكُونُ لَنَآ ﴾ يعني ما ينبغى لنا ﴿ أَن نَّتَكَلَّمَ بِهَـٰذَا ﴾ الأمر هلا قلتم مثل ما قال سعد بن معاذ، رضي الله عنه، وذلك أن سعداً لما سمع القول في أمر عائشة، قال: سبحانك هذا بهتان عظيم. ثم قال عز وجل: ألا قلتم ﴿ سُبْحَانَكَ ﴾ يعني ألا نزهتم الرب جل جلاله عن أن يعصى وقلتم ﴿ هَـٰذَا ﴾ القول ﴿ بُهْتَانٌ عَظِيمٌ ﴾ [آية: ١٦] لشدة قولهم، والبهتان الذي يبهت، فيقول ما لم يكن من قذف أو غيره، ثم وعظ الذين خاضوا في أمر عائشة رضى الله عنها، فقال: ﴿ يَعِظُكُمُ ٱللَّهُ أَن تَعُودُواْ لِمِثْلِهِ أَبَداً ﴾ يعني القذف أبداً ﴿ إِن كُنتُمْ مُّؤْمِنِينَ ﴾ [آية: ١٧] ﴿ وَيُبَيِّنُ ٱللَّهُ لَكُمُ ٱلآيَاتِ ﴾ يعني أموره ﴿ وَٱللَّهُ عَلِيمٌ حَكِيمٌ ﴾ [آية: ١٨].