﴿ لَّيْسَ عَلَى ٱلأَعْمَىٰ حَرَجٌ ﴾ نزلت في الأنصار، وذلك أنه لما نزلت﴿ ٱلَّذِينَ يَأْكُلُونَ أَمْوَالَ ٱلْيَتَامَىٰ ظُلْماً إِنَّمَا يَأْكُلُونَ فِي بُطُونِهِمْ نَاراً وَسَيَصْلَوْنَ سَعِيراً ﴾[النساء: ١٠]،﴿ يَا أَيُّهَا ٱلَّذِينَ آمَنُواْ لاَ تَأْكُلُوۤاْ أَمْوَالَكُمْ بَيْنَكُمْ بِٱلْبَاطِلِ ﴾[النساء: ٢٩]، قالت الأنصار: ما بالمدينة مال أعز من الطعام، فكانوا لا يأكلون مع الأعمى، لأنه لا يبصر موضع الطعام، ولا مع الأعرج، لأنه لا يطيق الزحام، ولا مع المريض، لأنه لا يطيق أن يأكل كما يأكل الصحيح، وكان الرجل يدعو حميه، وذا قرابته، وصديقه إلى طعامه، فيقول: أطعم من هو أفقر إليه مني، فإني أكره أن آكل أموال الناس بالباطل، والطعام أفضل المال، فأنزل الله عز وجل: ﴿ لَّيْسَ عَلَى ٱلأَعْمَىٰ حَرَجٌ ﴾ ﴿ وَلاَ عَلَى ٱلأَعْرَجِ حَرَجٌ وَلاَ عَلَى ٱلْمَرِيضِ حَرَجٌ ﴾ في الأكل معهم ﴿ وَلاَ عَلَىٰ أَنفُسِكُمْ ﴾ لأنهم يأكلون على حدة ﴿ أَن تَأْكُلُواْ مِن بُيُوتِكُمْ أَوْ بُيُوتِ آبَآئِكُمْ أَوْ بُيُوتِ أُمَّهَاتِكُمْ أَوْ بُيُوتِ إِخْوَانِكُمْ أَوْ بُيُوتِ أَخَوَاتِكُمْ أَوْ بُيُوتِ أَعْمَامِكُمْ أَوْ بُيُوتِ عَمَّاتِكُمْ أَوْ بُيُوتِ أَخْوَالِكُمْ أَوْ بُيُوتِ خَالاَتِكُمْ أَوْ مَا مَلَكْتُمْ مَّفَاتِحهُ ﴾ يعني خزائنه، يعني عبيدكم وإمائكم ﴿ أَوْ صَدِيقِكُمْ ﴾ نزلت في مالك بن زيد، وكان صديقه الحارث بن عمرو، وذلك أن الحارث خرج غازياً وخلف مالكاً في أهله وماله وولده، فلما رجع رأى مالكاً مجهوداً قال: ما أصابك؟ قال: لم يكن عندي شىء، ولم يحل لي أكل مالك، ثم قال سبحانه: ﴿ لَيْسَ عَلَيْكُمْ جُنَاحٌ أَن تَأْكُلُواْ جَمِيعاً أَوْ أَشْتَاتاً ﴾ وذلك أنهم كانوا يأكلون على حدة، ولا يأكلون جميعاً، يرون أن أكله ذنب، يقول الله عز وجل: ﴿ تَأْكُلُواْ جَمِيعاً أَوْ أَشْتَاتاً ﴾، وكانت بنو ليث بن بكر لا يأكل الرجل منهم حتى يجد من يأكل معه، أو يدركه الجهد، فيأخذ عنزة له فيركزها ويلقى عليها ثوباً تحرجاً أن يأكل وحده، فلما جاء الإسلام فعلوا ذلك، وكان المسلمون إذا سافروا اجتمع نفر منهم فجمعوا نفقاتهم وطعامهم في مكان، فإن غاب رجل منهم لم يأكلوا حتى يرجع صاحبهم مخافة الإثم. فنزلت: ﴿ لَيْسَ عَلَيْكُمْ جُنَاحٌ أَن تَأْكُلُواْ جَمِيعاً ﴾ إن كنتم جماعة ﴿ أَوْ أَشْتَاتاً ﴾ يعني متفرقين ﴿ فَإِذَا دَخَلْتُمْ بُيُوتاً ﴾ للمسلمين ﴿ فَسَلِّمُواْ عَلَىٰ أَنفُسِكُمْ ﴾ يعني بعضكم على بعض، يعني أهل دينكم يقول: السلام ﴿ تَحِيَّةً مِّنْ عِندِ ٱللَّهِ مُبَارَكَةً ﴾ يعني من سلم أجر، فهي البركة ﴿ طَيِّبَةً ﴾ حسنة ﴿ كَذَلِكَ يُبَيِّنُ ٱللَّهُ لَكُمُ ٱلآيَاتِ ﴾ يعني أمره في أمر الطعام والتسليم ﴿ لَعَلَّكُمْ تَعْقِلُونَ ﴾ [آية: ٦١].


الصفحة التالية
Icon