﴿ وَأَوْحَيْنَآ إِلَىٰ مُوسَىٰ أَنْ أَسْرِ بِعِبَادِيۤ ﴾ بنى إسرائيل ليلاً ﴿ إِنَّكُم مّتَّبِعُونَ ﴾ [آية: ٥٢] يعنى يتبعكم فرعون وقومه، فأمر جبريل، عليه السلام، كل أهل أربعة أبيات من بنى إسرائيل فى بيت، ويعلم تلك الأبواب بدم الخراف، فإن الله عز وجل يبعث الملائكة إلى أهل مصر، فمن لم يروا على بابه دماً دخلوا بيته فقتلوا أبكارهم، من أنفسهم وأنعامهم، فيشغلهم دفنهم إذا أصبحوا عن طلب موسى، ففعلوا واستعاروا حلى أهل مصر، فساروا من ليلتهم قبل البحر، هارون على المقدمة، وموسى على الساقة، فأصبح فرعون من الغد يوم الأحد، وقد قتلت الملائكة أبكارهم، فاشتغلوا بدفنهم، ثم جمع الجموع فساروا يوم الاثنين فى طلب موسى، عليه السلام، وأصحابه، وهامان على مقدمة فرعون فى ألفى ألف وخمس مائة، ويقال: ألف ألف مقاتل. فذلك قوله عز وجل: ﴿ فَأَرْسَلَ فِرْعَونُ فِي ٱلْمَدَآئِنِ حَاشِرِينَ ﴾ [آية: ٥٣] يحشرون الناس فى طلب موسى، عليه السلام، وهارون، عليه السلام، وبنى إسرائيل. ثم قال فرعون: ﴿ إِنَّ هَـٰؤُلاۤءِ ﴾ يعنى بنى إسرائيل ﴿ لَشِرْذِمَةٌ ﴾ يعنى عصابة ﴿ قَلِيلُونَ ﴾ [آية: ٥٤] وهم ست مائة ﴿ وَإِنَّهُمْ لَنَا لَغَآئِظُونَ ﴾ [آية: ٥٥] لقتلهم أبكارنا، ثم هربوا منا ﴿ وَإِنَّا لَجَمِيعٌ حَاذِرُونَ ﴾ [آية: ٥٦] علينا السلاح. يقول الله تعالى: ﴿ فَأَخْرَجْنَاهُمْ ﴾ من مصر ﴿ مِّن جَنَّاتٍ ﴾ يعنى البساتين ﴿ وَعُيُونٍ ﴾ [آية: ٥٧] يعنى أنهار جارية ﴿ وَكُنُوزٍ ﴾ يعنى الأموال الظاهرة من الذهب والفضة، وإنما سمى كنزاً، لأنه لم يعط حق الله عز وجل منه، وكل ما لم يعط حق الله تعالى منه، فهو كنز، وإن كان ظاهراً. قال سبحانه: ﴿ وَمَقَامٍ كَرِيمٍ ﴾ [آية: ٥٨] يعنى المساكن الحسان ﴿ كَذَلِكَ ﴾ هكذا فعلنا بهم فى الخروج من مصر، وما كانوا فيه من الخير. ثم قال سبحانه: ﴿ وَأَوْرَثْنَاهَا بَنِيۤ إِسْرَائِيلَ ﴾ [آية: ٥٩]، وذلك أن الله عز وجل رد بنى إسرائيل بعدما أغرق فرعون وقومه إلى مصر ﴿ فَأَتْبَعُوهُم ﴾ يقول: فاتبعهم فرعون وقومه ﴿ مُّشْرِقِينَ ﴾ [آية: ٦٠] يعنى ضحى ﴿ فَلَمَّا تَرَاءَى ٱلْجَمْعَانِ ﴾ يعنى جمع موسى، عليه السلام، وجمع فرعون، فعاين بعضهم بعضاً.
﴿ قَالَ أَصْحَابُ مُوسَىٰ إِنَّا لَمُدْرَكُونَ ﴾ [آية: ٦١] هذا فرعون وقومه لحقونا من ورائنا، وهذا البحر أمامنا قد غشينا، ولا منقذ لنا منه.﴿ قَالَ ﴾ موسى، عليه السلام: ﴿ كَلاَّ ﴾ لا يدركوننا ﴿ إِنَّ مَعِيَ رَبِّي سَيَهْدِينِ ﴾ [آية: ٦٢] الطريق، وذلك أن جبريل، عليه السلام، حين أتاه فمره بالمسير من مصر، قال: موعد ما بيننا وبينك البحر، فعلم موسى، عليه السلام، أن الله عز وجل سيجعل له مخرجاً، وذلك يوم الاثنين العاشر من المحرم. فلما صار موسى إلى البحر أوحى الله عز وجل إليه.
﴿ فَأَوْحَيْنَآ إِلَىٰ مُوسَىٰ أَنِ ٱضْرِب بِّعَصَاكَ ٱلْبَحْرَ ﴾ فجاءه جبريل، عليه السلام، فقال: اضرب بعصاك البحر، فضربه بعصاه فى أربع ساعات من النهار.
﴿ فَٱنفَلَقَ ﴾ البحر فانشق الماء اثنى عشر طريقاً يابساً، كل طريق طوله فرسخان وعرضه فرسخان، وقام الماء عن يمين الماء، وعن يساره، كالجبل العظيم، فذلك قوله عز وجل: ﴿ فَكَانَ كُلُّ فِرْقٍ كَٱلطَّوْدِ ٱلْعَظِيمِ ﴾ [آية: ٦٣] يعنى كالجبلين المقابلين كل واحد منهما على الآخر، وفيهما كوى من طريق إلى طريق لينظر بعضهم إلى بعض إذا ساروا فيه ليكون آنس لهم إذا نظر بعضهم إلى بعض، فسلك كل سبط من بنى إسرائيل فى طريق لا يخالطهم أحد من غيرهم، وكانوا اثنى عشر سبطاً، فساروا فى اثنى عشر طريقاً فقطعوا البحر، وهو نهر النيل بين أيلة، ومصر، نصف النهار فى ست ساعات من النهار يوم الاثنين، وهو يوم العاشر من المحرم، فصام موسى، عيه السلام، يوم العاشر شكراً لله عز وجل حين أنجاه الله عز وجل، وأغرق عدوه فرعون، فمن ثم تصومه اليهود، وسار فرعون وقومه فى تمام ثمانية ساعات، فلما توسطوا البحر تفرقت الطرق عليهمن فأغرقهم الله عز وجل أجمعين. فذاك قوله تعالى: ﴿ وَأَزْلَفْنَا ثَمَّ ٱلآخَرِينَ ﴾ [آية: ٦٤] يعنى هناك الآخرين، قربنا فرعون وجنوده فى مسالك بنى إسرائيل ﴿ وَأَنجَيْنَا مُوسَىٰ وَمَن مَّعَهُ أَجْمَعِينَ ﴾ [آية: ٦٥] من الغرق فلم يبقى أحد إلا نجا ﴿ ثُمَّ أَغْرَقْنَا ٱلآخَرِينَ ﴾ [آية: ٦٦] يعنى فرعون وقومه فى تمام تسع ساعات من النهار، ثم أوحى الله عز وجل إلى البحر، فألقى فرعون على الساحل فى ساعة، فتلك عشر ساعات، وبقى من النهار ساعتان.﴿ إِنَّ فِي ذَلِكَ لآيَةً ﴾ يقول: فى هلاك فرعون وقومه لعبرة لمن بعدهم.
﴿ وَمَا كَانَ أَكْثَرُهُم مُّؤْمِنِينَ ﴾ [آية: ٦٧] يقول: لم يكن أكثر أهل مصر مصدقين بتوحيد الله عز وجل، ولو كان أكثرهم مؤمنين لم يعذبوا فى الدنيا، ولم يؤمن من أهل مصر غير آسية امرأة فرعون، وحزقيل المؤمن من آل فرعون، وفيه الماشطة، ومريم ابنة ناموثية التى دلت على عظام يوسف.﴿ وَإِنَّ رَبَّكَ لَهُوَ ٱلْعَزِيزُ ﴾ فى نقمته من أعدائه حين انتقم منهم ﴿ ٱلرَّحِيمُ ﴾ [آية: ٦٨] بالمؤمنين حين أنجاهم من العذاب، وكان موسى بمصر ثلاثين سنة، فلما قتل النفس خرج إلى مدين هارباً على رجليه فى الصيف بغير زاد، وكان راعياً عشر سنين، ثم بعثه الله رسولاً وهو ابن أربعين سنة، ثم دعا قومه ثلاثين سنة، ثم قطع البحر، فعاش خمسين سنة فمات وهو ابن عشرين ومائة سنة صلى الله عليه وسلم، وكان دعا فرعون وقومه عشر سنينن فلما أبو أرسل الله عليهم الطوفان والجراد والقمل، وإلى آخر الآية، ثم لبث فيهم أيضاً عشرين سنة كل ذلك ثلاثين سنة، فلم يؤمنوا فأغرقهم الله أجمعين، فعاش موسى، عليه السلام، عشرين ومائة سنة.


الصفحة التالية
Icon