﴿ هَلْ أُنَبِّئُكُمْ عَلَىٰ مَن تَنَزَّلُ ٱلشَّيَاطِينُ ﴾ [آية: ٢٢١] لقولهم: إنما يجئ به الرى فيلقيه على لسان محمد صلى الله عليه وسلم ﴿ تَنَزَّلُ عَلَىٰ كُلِّ أَفَّاكٍ ﴾ يعنى كذاب ﴿ أَثِيمٍ ﴾ [آية: ٢٢٢] بربه منهم مسيلمة الكذاب، وكعب بن الأشرف.
﴿ يُلْقُونَ ٱلسَّمْعَ ﴾ يقول: تلقى الشياطين بآذانهم إلى السمع فى السماء كلام الملائكة، وذلك أن الله عز وجل إذا أراد أمراً فى أهل الأرض أعلم به أهل السماوات من الملائكة، فتكلموا به، فتسمع الشياطين لكلام الملائكة، وترميهم بالشهب فيخطفون الخطفة، ثم قال عز وجل: ﴿ وَأَكْثَرُهُمْ كَاذِبُونَ ﴾ [آية: ٢٢٣] يعنى الشياطين حين يخبرون الكهنة أنه يكون فى الأرض كذا وكذا. ثم قال سبحانه: ﴿ وَٱلشُّعَرَآءُ يَتَّبِعُهُمُ ٱلْغَاوُونَ ﴾ [آية: ٢٢٤] منهم عبد الله بن الزبعرى السهمى، وأبو سفيان بن عبد المطلب، وهميرة بن أبى وهب المخزومى، ومشافع بن عبد مناف عمير الجمحى، وأبو عزة اسمه عمرو بن عبد الله، كلهم من قريش، وأمية بن أبى الصلت الثقفى، تكلموا بالكذب والباطل، وقالوا: نحن نقول مثل قول محمد صلى الله عليه وسلم قالوا الشعر، واجتمع إليهم غواة من قومهم يستمعون من أشعارهم، ويروون عنهم، حتى يهجون. فذلك قوله عز وجل: ﴿ أَلَمْ تَرَ أَنَّهُمْ فِي كُلِّ وَادٍ يَهِيمُونَ ﴾ [آية: ٢٢٥] يعنى فى كل طريق، يعنى فى كل فن من الكلام يأخذون.
﴿ وَأَنَّهُمْ يَقُولُونَ مَا لاَ يَفْعَلُونَ ﴾ [آية: ٢٢٦] فعلنا وفعلنا وهم كذبة، فاستأذن شعراء المسلمين أن يقتصوا من المشركين منهم عبد الله بن رواحة، وحسان بن ثابت، وكعب بن مالك من بنى سلمة بن خثم، كلهم من الأنصار، فأذن لهم النبى صلى الله عليه وسلم، فهجوا المشركين، ومدحوا النبى صلى الله عليه وسلم، فأنزل الله تعالى: ﴿ وَٱلشُّعَرَآءُ يَتَّبِعُهُمُ ٱلْغَاوُونَ ﴾ إلى آيتين. ثم استثنى عز وجل شعراء المسلمين، فقال: ﴿ إِلاَّ ٱلَّذِينَ آمَنُواْ وَعَمِلُواْ ٱلصَّالِحَاتِ وَذَكَرُواْ ٱللَّهَ كَثِيراً وَٱنتَصَرُواْ ﴾ على المشركين ﴿ مِن بَعْدِ مَا ظُلِمُواْ ﴾ يقول: انتصر شعراء المسلمين من شعراء المشركين، فقال: ﴿ وَسَيَعْلَمْ ٱلَّذِينَ ظَلَمُوۤاْ ﴾ يعنى أشركوا ﴿ أَيَّ مُنقَلَبٍ يَنقَلِبُونَ ﴾ [آية: ٢٢٧] يقول: ينقلبون فى الآخرة إلى الخسران. حدثنا عبيد الله بن ثابت، قال: حدثنى أبى، عن الهذيل، عن رجل، عن الفضيل بن عيسى الرقاشى، قال: ﴿ بِلِسَانٍ عَرَبِيٍّ مُّبِينٍ ﴾، قال: فضله على الألسن. قال الهذيل: سمعت المسيب يحدث عن ابى روق، قال: كانت ناقة صالح، عليه السلام، يوضع لها الإناء فتدر فيه اللبن. حدثنا عبد الله، قال: حدثنى أبى، عن الهذيل، عن على بن عاصم، عن الفضل بن عيسى الرقاشى، عن محمد بن المنكدر، عن جابر بن عبد الله، عن رسول الله صلى الله عليه وسلم، قال:" لما كلم الله عز وجل موسى، عليه السلام، فوق الطور، فسمع كلاماً فوق الكلام الأول، فقال: يا رب هذا كلامك الذى كلمتنى به، قال: لا يا موسى، إنما كلمتك بقوة عشرة آلاف لسان، ولى قوة الألسن كلها، وأنا أقوى من ذلك، فلما رجع موسى، عليه السلام، إلى قومه، قالوا: يا موسى، صف لنا كلام الرحمن؟ قال: سبحان الله، لا أستطيع، قالوا: فشبهه، قال: ألم تروا إلى أصوات الصواعق التى تقتل بأحلى حلاوة إن سمعتموه، فإنه قريب منه، وليس به "