﴿ قَالَ يٰأَيُّهَا ٱلْمَلأُ أَيُّكُمْ يَأْتِينِي بِعَرْشِهَا قَبْلَ أَن يَأْتُونِي مُسْلِمِينَ ﴾ [آية: ٣٨] يعني مخلصين بالتوحيد، وإنما علم سليمان أنها تسلم، لأنه أوحى إليه بذلك، فلذلك قال: ﴿ قَبْلَ أَن يَأْتُونِى مُسْلِمِينَ ﴾ فيحرم علىّ سريرها لأن الرجل إذا أسلم حرم ماله ودمه، وكان سريرها من ذهب قوائمه اللؤلؤ والجوهر، مستور بالحرير والديباج، عليه الحجلة.﴿ قَالَ عِفْرِيتٌ مِّن ٱلْجِنِّ ﴾ يعني مارد من الجن اسمه: الحقيق.
﴿ أَنَاْ آتِيكَ بِهِ ﴾ يعني سريرها ﴿ قَبْلَ أَن تَقُومَ مِن مَّقَامِكَ ﴾ يعني من مجلسك، وكان سليمان، عليه السلام، يجلس للناس غدوة فيقضى بينهم حتى يضحى الضحى الأكبر، ثم يقوم، فقال: أنا آتيك به قبل أن تحضر مقامك وذلك أنى أضع قدمى عند منتهى بصرى فليس شىء أسرع منى، فآتيك بالعرش، وأنت في مجلسك.
﴿ وَإِنِّي عَلَيْهِ ﴾ يعني على حمل السرير ﴿ لَقَوِيٌّ ﴾ على حمله ﴿ أَمِينٌ ﴾ [آية: ٣٩] على ما في السرير من المال. قال سليمان أريد أسرع من ذلك: ﴿ قَالَ ٱلَّذِي عِندَهُ عِلْمٌ مِّنَ ٱلْكِتَابِ ﴾ وهو رجل من الإنس من بني إسرائيل كان يعلم اسم الله الأعظم، وكان الرجل اسمه آصف بن برخيا بن شمعيا بن دانيال ﴿ أَنَاْ آتِيكَ بِهِ ﴾ بالسرير ﴿ قَبْلَ أَن يَرْتَدَّ إِلَيْكَ طَرْفُكَ ﴾ الذي هو على منتهى بصرك، وهو جاءٍ إليك، فقال سليمان: لقد أسرعت أن فعلت ذلك، فدعا الرجل باسم الله الأعظم، ومنه ذو الجلال والإكرام، فاحتمل السرير احتمالاً فوضع بين يدى سليمان، وكانت المرأة قد أقبلت إلى سليمان حين جاءها الوفد، وخلفت السرير في أرضها باليمن في سبعة أبيات بعضها في بعض أقفالها من حديد، ومعها مفاتيح الأبيات السبعة.
﴿ فَلَمَّا رَآهُ ﴾ فلما رأى سليمان العرش ﴿ مُسْتَقِرّاً عِندَهُ ﴾ تعجب منه فـ ﴿ قَالَ هَـٰذَا ﴾ السرير ﴿ مِن فَضْلِ رَبِّي ﴾ أعطانيه ﴿ لِيَبْلُوَنِيۤ ﴾ يقول: ليختبرنى ﴿ أَأَشْكُرُ ﴾ الله عز وجل في نعمه حين أتيت العرش ﴿ أَمْ أَكْفُرُ ﴾ بنعم الله إذا رأيت من هو دونى أعلم منى، فعزم الله عز وجل له على الشكر. فقال عز وجل: ﴿ وَمَن شَكَرَ ﴾ في نعمه ﴿ فَإِنَّمَا يَشْكُرُ لِنَفْسِهِ ﴾ يقول: فإنما يعمل لنفسه ﴿ وَمَن كَفَرَ ﴾ النعم ﴿ فَإِنَّ رَبِّي غَنِيٌّ ﴾ عن عبادة خلقه ﴿ كَرِيمٌ ﴾ [آية: ٤٠] مثلها في لقمان:﴿ فَإِنَّ ٱللَّهَ غَنِيٌّ حَمِيدٌ ﴾[الآية: ١٢].
﴿ قَالَ ﴾ سليمان: ﴿ نَكِّرُواْ لَهَا عَرْشَهَا ﴾ زيدوا في السرير، وانقصوا منه.
﴿ نَنظُرْ ﴾ إذا جاءت ﴿ أَتَهْتَدِيۤ أَمْ تَكُونُ مِنَ ٱلَّذِينَ لاَ يَهْتَدُونَ ﴾ [آية: ٤١] يقول: أتعرف العرش أم تكون من الذين لا يعرفون؟.﴿ فَلَمَّا جَآءَتْ ﴾ المرأة ﴿ قِيلَ ﴾ لها ﴿ أَهَكَذَا عَرْشُكِ ﴾؟ فأجابتهم فـ ﴿ قَالَتْ كَأَنَّهُ هُوَ ﴾ وقد عرفته ولكنها شبهت عليهم كما شبهوا عليها، ولو قيل لها: هذا عرشك؟ لقالت: نعم، قيل لها: فإنه عرشك فما أغنى عنه إغلاق الأبواب؟ يقول سليمان: ﴿ وَأُوتِينَا ٱلْعِلْمَ ﴾ من الله عز وجل ﴿ مِن قَبْلِهَا ﴾ يعني من قبل أن يجىء العرش والصرح وغيره.
﴿ وَكُنَّا مُسْلِمِينَ ﴾ [آية: ٤٢] يعني وكنا مخلصين بالتوحيد من قبلها.﴿ وَصَدَّهَا ﴾ عن الإسلام ﴿ مَا كَانَت تَّعْبُدُ مِن دُونِ ٱللَّهِ ﴾ من عبادة الشمس ﴿ إِنَّهَا كَانَتْ مِن قَوْمٍ كَافِرِينَ ﴾ [آية: ٤٣] ﴿ قِيلَ لَهَا ٱدْخُلِي ٱلصَّرْحَ ﴾ وهو قصر من قوارير على الماء تحته السمك.
﴿ فَلَمَّا رَأَتْهُ حَسِبَتْهُ لُجَّةً ﴾ يعني غدير الماء ﴿ وَكَشَفَتْ عَن سَاقَيْهَا ﴾ يعني رجليها لتخوض الماء إلى سليمان وهو على السرير في مقدم البيت، وذلك أنها لما أقبلت قالت الجن: لقد لقينا من سليمان ما لقينا من التعب، فلو قد اجتمع سليمان وهذه المرأة وما عندها من العلم لهلكنا، وكانت أمها جنية، فقالوا: تعالوا نبغضها إلى سليمان، نقول: إن رجليها مثل حوافر الدواب، لأن أمها كانت جنية، ففعلت، فأمر سليمان فبنى لها بيتاً من قوارير فوق الماء، وأرسل فيه السمك لتحسب أنه الماء، فتكشف عن رجليها فينظر سليمان أصدقته الجن أم كذبته، وجعل سريره في مقدم البيت، فلما رأت الصرح حسبته لجة الماء وكشفت عن ساقيها، فنظر إليها سليمان، فإذا هي من أحسن الناس قدمين ورأى على ساقها شعراً كثيراً فكره سليمان ذلك، فقالت: إن الرمانة لا تدري ما هي حتى تذوقها، قال سليمان: ما لا يحلو في العين لا يحلو في الفم فلما رأت الجن أن سليمان رأى ساقيها، قالت الجن: لا تكشفى عن ساقيك ﴿ قَالَ إِنَّهُ صَرْحٌ مُّمَرَّدٌ ﴾ يعني أملس ﴿ مِّن قَوارِيرَ ﴾ فلما رأت السير والصرح علمت أن ملكها ليس بشيء عند ملك سليمان، وأن ملكه من ملك الله عز وجل. فـ ﴿ قَالَتْ ﴾ حين دخلت الصرح ﴿ رَبِّ إِنِّي ظَلَمْتُ نَفْسِي ﴾ يعني بعبادتها الشمس ﴿ وَأَسْلَمْتُ ﴾ يعني أخلصت ﴿ مَعَ سُلَيْمَانَ ﴾ بالتوحيد ﴿ لِلَّهِ رَبِّ ٱلْعَالَمِينَ ﴾ [آية: ٤٤] خرت لله عز وجل ساجدة، وتابت إلى الله عز وجل من شركها. واتخذها سليمان عليه السلام لنفسه، فولدت له داود بن سليمان بن داود، عليهم السلام، وأمر لها بقرية من الشام يجى لها خراجها، وكانت عذراً فاتخذ الحمامات من أجلها. وقال النبي صلى الله عليه وسلم:" كانت من أحسن نساء العالمين ساقين، وهي من أزواج سليمان في الجنة "، فقالت عائشة، رضى الله عنها للنبي صلى الله عليه وسلم: هي أحسن ساقين مني، قال النبي صلى الله عليه وسلم: " أنت أحسن ساقين منها في الجنة "