﴿ وَأَوْحَيْنَآ إِلَىٰ أُمِّ مُوسَىٰ ﴾ واسمها يوكابد من ولد لاوى بن يعقوب ﴿ أَنْ أَرْضِعِيهِ ﴾ فأمرها جبريل، عليه السلام، بذلك ﴿ فَإِذَا خِفْتِ عَلَيْهِ ﴾ القتل وكانت أرضعته ثلاثة أشهر، وكان خوفها أنه كان يبكي من قلة اللبن، فيسمع الجيران بكاء الصبي، فقال: ﴿ فَإِذَا خِفْتِ عَلَيْهِ فَأَلْقِيهِ فِي ٱليَمِّ ﴾ يعني في البحر، وهو بحر النيل، فقالت: رب، إني قد علمت أنك قادر على ما تشاء، ولكن كيف لي أن ينجو صبي صغير من عمق البحر، وبطون الحيتان، فأوحى الله عز وجل إليها أن تجعله في التابوت، ثم تقذفه في اليم، فإني أوكل به ملك يحفظه في اليم، فصنع لها التابوت حزقيل القبطي، ووضعت موسى في التابوت، ثم ألقته في البحر يقول الله عز وجل: ﴿ وَلاَ تَخَافِي ﴾ عليه الضيعة ﴿ وَلاَ تَحْزَنِيۤ ﴾ عليه القتل ﴿ إِنَّا رَآدُّوهُ إِلَيْكِ وَجَاعِلُوهُ مِنَ ٱلْمُرْسَلِينَ ﴾ [آية: ٧] إلى مصر فصدقت، بذلك ففعل الله عز وجل ذلك، به وبارك الله تعالى على موسى، عليه السلام، وهو في بطن أمه ثلاث مائة وستين بركة.﴿ فَٱلْتَقَطَهُ آلُ فِرْعَوْنَ ﴾ من البحر من بين الماء والشجر، وهو في التابوت، فمن ثم سمي موسى، بلغة القبط الماء: مو، والشجر: سى، فسموه موسى، ثم قال تعالى ﴿ لِيَكُونَ لَهُمْ عَدُوّاً ﴾ في الهلاك ﴿ وَحَزَناً ﴾ يعني وغيظاً في قتل الأبكار، فذلك قوله عز وجل:﴿ وَإِنَّهُمْ لَنَا لَغَآئِظُونَ ﴾[الشعراء: ٥٥] لقتلهم أبكارنا، ثم قال سبحانه: ﴿ إِنَّ فِرْعَوْنَ وَهَامَانَ وَجُنُودَهُمَا كَانُواْ خَاطِئِينَ ﴾ [آية: ٨].
﴿ وَقَالَتِ ٱمْرَأَتُ فِرْعَوْنَ ﴾ واسمها آسية بنت مزاحم، عليها السلام: ﴿ قُرَّتُ عَيْنٍ لِّي وَلَكَ لاَ تَقْتُلُوهُ ﴾ فإنا أتينا به من أرض أخرى، وليس من بني إسرائيل.
﴿ عَسَىٰ أَن يَنْفَعَنَا ﴾ فنصيب منه خيراً ﴿ أَوْ نَتَّخِذَهُ وَلَداً ﴾ يقول الله عز وجل: ﴿ وَهُمْ لاَ يَشْعُرُونَ ﴾ [آية: ٩] أن هلاكهم في سببه.﴿ وَأَصْبَحَ فُؤَادُ أُمِّ مُوسَىٰ فَارِغاً إِن كَادَتْ لَتُبْدِي بِهِ ﴾ وذلك أنها رأت التابوت يرفعه موج ويضعه آخر، فخشيت عليه الغرق، فكادت تصيح شفقة عليه، فذلك قوله عز وجل: ﴿ إِن كَادَتْ لَتُبْدِي بِهِ ﴾ يقول: إن همت لتشعر أهل مصر بموسى، عليه السلام، أنه ولدها ﴿ لَوْلاۤ أَن رَّبَطْنَا عَلَىٰ قَلْبِهَا ﴾ بالإيمان ﴿ لِتَكُونَ مِنَ ٱلْمُؤْمِنِينَ ﴾ [آية: ١٠] يعني من المصدقين بتوحيد الله عز وجل، حين قال لها: ﴿ إِنَّا رَآدُّوهُ إِلَيْكِ وَجَاعِلُوهُ مِنَ ٱلْمُرْسَلِينَ ﴾.
﴿ وَقَالَتْ ﴾ أم موسى ﴿ لأُخْتِهِ ﴾ يعني أخت موسى لأبيه وأمه، واسمها مريم: ﴿ قُصِّيهِ ﴾ يعني قصي أثره في البحر، وهو في التابوت يجري في الماء، حتى تعلمي علمه من يأخذه ﴿ فَبَصُرَتْ بِهِ عَن جُنُبٍ ﴾ يعني كأنها مجانبة له بعيداً من أن ترقبه كقوله تعالى:﴿ وَٱلْجَارِ ٱلْجُنُبِ ﴾[النساء: ٣٦] يعني بعيداً منهم من قوم آخرين، وعينها إلى التابوت معرضة بوجهها عنه إلى غيره.
﴿ وَهُمْ لاَ يَشْعُرُونَ ﴾ [آية: ١١] أنها ترقبه.﴿ وَحَرَّمْنَا عَلَيْهِ ٱلْمَرَاضِعَ مِن قَبْلُ ﴾ أن يصير إلى أمه، وذلك أنه لم يقبل ثدي امرأة ﴿ فَقَالَتْ ﴾ أخته مريم: ﴿ هَلْ أَدُلُّكُمْ عَلَىٰ أَهْلِ بَيْتٍ يَكْفُلُونَهُ لَكُمْ ﴾ يعني يضمنون لكم رضاعه.
﴿ وَهُمْ لَهُ ﴾ للولد ﴿ نَاصِحُونَ ﴾ [آية: ١٢] هن أشفق عليه وأنصح له من غيره، فأرسل إليها فجاءت، فلما وجد الصبى ريح أمه قبل ثديها. فذلك قوله عز وجل: ﴿ فَرَدَدْنَاهُ إِلَىٰ أُمِّهِ كَيْ تَقَرَّ عَيْنُهَا وَلاَ تَحْزَنَ وَلِتَعْلَمَ أَنَّ وَعْدَ ٱللَّهِ حَقٌّ ﴾ لقوله: ﴿ إِنَّا رَآدُّوهُ إِلَيْكِ وَجَاعِلُوهُ مِنَ ٱلْمُرْسَلِينَ ﴾ ثم قال تعالى: ﴿ وَلَـٰكِنَّ أَكْثَرَهُمْ ﴾ يعني أهل مصر ﴿ لاَ يَعْلَمُونَ ﴾ [آية: ١٣] بأن وعد الله عز وجل حق.


الصفحة التالية
Icon