﴿ وَجَآءَ رَجُلٌ ﴾ فجاء حزقيل بن صابوث القبطي، وهو المؤمن ﴿ مِّنْ أَقْصَا ٱلْمَدِينَةِ ﴾ يعني أقصى القرية ﴿ يَسْعَىٰ ﴾ على رجليه، فـ ﴿ قَالَ يٰمُوسَىٰ إِنَّ ٱلْمَلأَ ﴾ من أهل مصر ﴿ يَأْتَمِرُونَ بِكَ لِيَقْتُلُوكَ ﴾ بقتلك القبطي.
﴿ فَٱخْرُجْ ﴾ من القرية ﴿ إِنِّي لَكَ مِنَ ٱلنَّاصِحِينَ ﴾ [آية: ٢٠].
﴿ فَخَرَجَ ﴾ موسى، عليه السلام.
﴿ مِنْهَا ﴾ من القرية ﴿ خَآئِفاً ﴾ أن يقتل ﴿ يَتَرَقَّبُ ﴾ يعني ينتظر الطلب، وهو هارب منهم ﴿ قَالَ رَبِّ نَجِّنِي مِنَ ٱلْقَوْمِ ٱلظَّالِمِينَ ﴾ [آية: ٢١] يعني المشركين، أهل مصر، فاستجاب الله عز وجل له، فأتاه جبريل، عليه السلام، فأمره أن يسير تلقاء مدين، وأعطاه العصا، فسار من مصر إلى مدين في عشرة أيام بغير دليل. فذلك قوله عز وجل: ﴿ وَلَمَّا تَوَجَّهَ تِلْقَآءَ مَدْيَنَ ﴾ بغير دليل خشى أن يضل الطريق ﴿ قَالَ عَسَىٰ رَبِّيۤ أَن يَهْدِيَنِي سَوَآءَ ٱلسَّبِيلِ ﴾ [آية: ٢٢] يعني يرشدني قصد الطريق إلى مدين فبلغ مدين. فذلك قوله تعالى: ﴿ وَلَمَّا وَرَدَ مَآءَ مَدْيَنَ ﴾ ابن إبراهيم خليل الرحمن لصلبه، عليهم السلام، وكان الماء لمدين فنسب إليه، ثم قال: ﴿ وَجَدَ عَلَيْهِ أُمَّةً ﴾ يقول: وجد موسى على الماء جماعة ﴿ مِّنَ ٱلنَّاسِ يَسْقُونَ ﴾ أغنامهم.
﴿ وَوَجَدَ مِن دُونِهِمُ ٱمْرَأَتَينِ تَذُودَانِ ﴾ يعني حابستين الغنم لتسقي فضل ماء الرعاء، وهما ابنتا شعيب النبي صلى الله عليه وسلم، واسم الكبرى صبورا، واسم الصغرى عبرا، وكانتا توأمتين، فولدت الأولى قبل الأخرى بنصف نهار.
﴿ قَالَ ﴾ لهما موسى: ﴿ مَا خَطْبُكُمَا ﴾ يعني ما أمركما.
﴿ قَالَتَا لاَ نَسْقِي ﴾ الغنم ﴿ حَتَّىٰ يُصْدِرَ ٱلرِّعَآءُ ﴾ بالغنم راجعة من الماء إلى الرعي، فنسقي فضلتهم ﴿ وَأَبُونَا شَيْخٌ كَبِيرٌ ﴾ [آية: ٢٣] لا يستطيع أن يسقي الغنم من الكبر، فقال لهما موسى، عليه السلام: أين الماء؟ فانطلقا به إلى الماء، فإذا الحجر على رأس البئر لا يزيله إلا عصابة من الناس، فرفعه موسى، عليه السلام، وحده بيده، ثم أخذ الدلو، فأدلى دلواً واحداً، فأفرغه في الحوض، ثم دعا بالبركة.﴿ فَسَقَىٰ لَهُمَا ﴾ الغنم، فرويت ﴿ ثُمَّ تَوَلَّىٰ ﴾ يعني انصرف ﴿ إِلَى ٱلظِّلِّ ﴾ ظل شجرة، فجلس تحتها من شدة الحر وهو جائع.
﴿ فَقَالَ رَبِّ إِنِّي لِمَآ أَنزَلْتَ إِلَيَّ مِنْ خَيْرٍ فَقِيرٌ ﴾ [آية: ٢٤] يعني إلى الطعام، فرجعت الكبيرة إلى موسى لتدعوه. فذلك قوله عز وجل: ﴿ فَجَآءَتْهُ إِحْدَاهُمَا ﴾ يعني الكبرى ﴿ تَمْشِي عَلَى ٱسْتِحْيَآءٍ ﴾ يعني على حياء، وهي التي تزوجها موسى، عليه السلام، فـ ﴿ قَالَتْ إِنَّ أَبِي يَدْعُوكَ لِيَجْزِيَكَ أَجْرَ مَا سَقَيْتَ لَنَا ﴾ وبين موسى وبين أبيها ثلاثة أميال، فولا الجوع الذي أصابه ما اتبعها، فقام يمشي معها، ثم أمرها أن تمشي خلفه وتدله بصوتها على الطريق كراهية أن ينظر إليها، وهما على غير جادة، يقول: ﴿ فَلَمَّا جَآءَهُ ﴾: فلما أتى موسى شعيباً، عليهما السلام.
﴿ وَقَصَّ عَلَيْهِ ﴾ يعني على شعيب ﴿ ٱلْقَصَصَ ﴾ الذي كان من أمره أجمع، أمر القوابل اللائي قتلن أولاد بني إسرائيل، وحين ولد وحين قذف في التابوت في اليم، ثم المراضع بعد التابوت، حتى أخبره بقتل الرجل من القبط.
﴿ قَالَ ﴾ له شعيب: ﴿ لاَ تَخَفْ نَجَوْتَ مِنَ ٱلْقَوْمِ ٱلظَّالِمِينَ ﴾ [آية: ٢٥] يعني المشركين.﴿ قَالَتْ إِحْدَاهُمَا ﴾ وهي الكبرى ﴿ يٰأَبَتِ ٱسْتَأْجِرْهُ إِنَّ خَيْرَ مَنِ ٱسْتَأْجَرْتَ ﴾ يقول: إن الذي استأجرت هو ﴿ ٱلْقَوِيُّ ٱلأَمِينُ ﴾ [آية: ٢٦] قال شعيب لابنته: من أين علمت قوته؟ وأمانته؟ قالت: أزال الحجر وحده عن رأس البئر، وكان لا يطيقه إلا رجال، وذكرت أنه أمرها أن تمشي خلفه كراهية أن ينظر إليها. فـ ﴿ قَالَ ﴾ شعيب لموسى، عليهما السلام: ﴿ إِنِّيۤ أُرِيدُ أَنْ أُنكِحَكَ إِحْدَى ٱبْنَتَيَّ ﴾ يعني أن أزواجك إحد ابنتي ﴿ هَاتَيْنِ عَلَىٰ أَن تَأْجُرَنِي ﴾ نفسك ﴿ ثَمَانِيَ حِجَجٍ فَإِنْ أَتْمَمْتَ عَشْراً ﴾ يعني عشر سنين.
﴿ فَمِنْ عِندِكَ وَمَآ أُرِيدُ أَنْ أَشُقَّ عَلَيْكَ ﴾ في العشر ﴿ سَتَجِدُنِي إِن شَاءَ اللَّهُ مِنَ الصَّالِحِينَ ﴾ [آية: ٢٧] يعني من الرافقين بك، كقول موسى لأخيه هارون:﴿ ٱخْلُفْنِي فِي قَوْمِي وَأَصْلِحْ ﴾[الأعراف: ١٤٢] يعني وارفق بهم، في سورة الأعراف.﴿ قَالَ ﴾ موسى: ﴿ ذَلِكَ بَيْنِي وَبَيْنَكَ أَيَّمَا ٱلأَجَلَيْنِ قَضَيْتُ ﴾ ثماني سنين، أو عشر سنين.
﴿ فَلاَ عُدْوَانَ ﴾ يعني فلا سبيل ﴿ عَلَيَّ وَٱللَّهُ عَلَىٰ مَا نَقُولُ وَكِيلٌ ﴾ [آية: ٢٨] يعني شهيد فيما بيننا، كقوله عز وجل:﴿ وَكَفَىٰ بِٱللَّهِ وَكِيلاً ﴾[النساء: ٨١]، يعني شهيداً، فأتم موسى، عليه السلام، عشر سنين على أن يزوج ابنته الكبرى اسمها صبورا بنت شعيب بن نويب بن مدين بن إبراهيم.