﴿ إِنَّكَ لاَ تَهْدِي مَنْ أَحْبَبْتَ ﴾ وذلك" أن أبا طالب بن عبد المطلب، قال: يا معشر بني هاشم، أطيعوا محمداً صلى الله عليه وسلم، وصدقوه تفلحوا وترشدوا، قال النبي صلى الله عليه وسلم: " يا عم، تأمرهم بالنصيحة لأنفسهم وتدعها لنفسك "، قال: فما تريد يا ابن أخي؟ قال: " أريد منك كلمة واحدة، فإنك في آخر يوم من الدنيا، أن تقول: لا إله إلا الله، أشهد لك بها عند الله " عز وجل، قال: يا ابن أخي، قد علمت أنك صادق، ولكني أكره أن يقال: جزع عند الموت، ولولا أن يكون عليك، وعلى بني أبيك غضاضة وسبة لقلتها، ولأقررت بعينك عند الفراق لما أرى من شدة وجدك ونصيحتك، ولكن سوف أموت على ملة أشياخ عبد المطلب، وهاشم وعبد مناف "، فأنزل الله عز وجل: ﴿ إِنَّكَ ﴾ يا محمد ﴿ لاَ تَهْدِي مَنْ أَحْبَبْتَ ﴾ إلى الإسلام ﴿ وَلَـٰكِنَّ ٱللَّهَ يَهْدِي مَن يَشَآءُ وَهُوَ أَعْلَمُ بِٱلْمُهْتَدِينَ ﴾ [آية: ٥٦] يقول: وهو أعلم بمن قدر له الهدى.﴿ وَقَالُوۤاْ إِن نَّتَّبِعِ ٱلْهُدَىٰ مَعَكَ نُتَخَطَّفْ مِنْ أَرْضِنَآ ﴾ نزلت فى الحارث بن نوفل بن عبد مناف القرشي، وذلك أنه قال للنبي صلى الله عليه وسلم: إنا لنعلم أن الذي تقول حق، ولكنا يمنعنا أن نتبع الهدى معك مخافة أن يتخطفنا العرب من أرضنا، يعني مكة، فإنما نحن أكلة رأس العرب، ولا طاقة لنا بهم، يقول الله تعالى: ﴿ أَوَلَمْ نُمَكِّن لَّهُمْ حَرَماً آمِناً يُجْبَىٰ إِلَيْهِ ﴾ يحمل إلى الحرم ﴿ ثَمَرَاتُ كُلِّ شَيْءٍ ﴾ يعني بكل شيء من ألوان الثمار ﴿ رِّزْقاً مِّن لَّدُنَّا ﴾ يعني من عندنا ﴿ وَلَـٰكِنَّ أَكْثَرَهُمْ ﴾ يعني أهل مكة ﴿ لاَ يَعْلَمُونَ ﴾ [آية: ٥٧] يقول: هم يأكلون رزقى ويعبدون غيري، وهم آمنون في الحرم من القتل والسبي، فكيف يخافون لو أسلموا أن لا يكون ذلك لهم، نجعل لهم الحرم آمنا في الشرك ونخوفهم في الإسلام؟ فإنا لا نفعل ذلك بهم لو أسلموا. ثم خوفهم عز وجل، فقال سبحانه: ﴿ وَكَمْ أَهْلَكْنَا مِن قَرْيَةٍ بَطِرَتْ مَعِيشَتَهَا ﴾ يقول: بطروا وأشروا يتقلبون في رزق الله عز وجل، فلم يشكروا الله تعالى في نعمه فأهلكهم بالعذاب ﴿ فَتِلْكَ مَسَاكِنُهُمْ لَمْ تُسْكَن مِّن بَعْدِهِمْ ﴾ يعني من بعد هلاك أهلها ﴿ إِلاَّ قَلِيلاً ﴾ من المساكن فقد يسكن في بعضها ﴿ وَكُنَّا نَحْنُ ٱلْوَارِثِينَ ﴾ [آية: ٥٨] لما خلفوا من بعد هلاكهم يخوف كفار مكة بمثل عذاب الأمم الخالية حين قالوا: نتخوف أن نتخطف من مكة. ثم قال الله عز وجل: ﴿ وَمَا كَانَ رَبُّكَ مُهْلِكَ ٱلْقُرَىٰ ﴾ يعني معذب أهل القرى الخالية ﴿ حَتَّىٰ يَبْعَثَ فِيۤ أُمِّهَا رَسُولاً ﴾ يعني في أكبر تلك القرى رسولاً، وهي مكة ﴿ يَتْلُو عَلَيْهِمْ آيَاتِنَا ﴾ يقول: يخبرهم الرسول بالعذاب بأنه نازل بهم في الدنيا إن لم يؤمنوا ﴿ وَمَا كُنَّا مُهْلِكِي ٱلْقُرَىٰ ﴾ يعني معذبي أهل القرى في الدنيا ﴿ إِلاَّ وَأَهْلُهَا ظَالِمُونَ ﴾ [آية: ٥٩] يقول: إلا وهم مذنبون، يقول: لم نعذب على غير ذنب.