﴿ مَن جَآءَ بِٱلْحَسَنَةِ ﴾ يعني بكلمة الإخلاص، وهى لا إله إلا الله، وحده لا شريك له.
﴿ فَلَهُ خَيْرٌ مِّنْهَا ﴾ في التقديم، يقول: فله منها خير.
﴿ وَمَن جَآءَ بِٱلسَّيِّئَةِ ﴾ يعني الشرك يقول: من جاء في الآخرة بالشرك.
﴿ فَلاَ يُجْزَى ٱلَّذِينَ عَمِلُواْ ٱلسَّيِّئَاتِ ﴾ يعني الذين عملوا الشرك ﴿ إِلاَّ مَا كَانُواْ يَعْمَلُونَ ﴾ [آية: ٨٤] من الشرك، فإن جزاء الشرك النار، فلا ذنب أعظم من الشرك، ولا عذاب أعظم من النار. حدثنا محمد، قال: حدثنا أبو القاسم، قال: حدثنا الهذيل، عن مقاتل، عن علقمة بن مرثد، قال: ذكر النبي صلى الله عليه وسلم، هذه الآية: ﴿ مَن جَآءَ بِٱلْحَسَنَةِ ﴾ ﴿ وَمَن جَآءَ بِٱلسَّيِّئَةِ ﴾ فقال:" هذه تنجي وهذه تردي "وقال مقاتل: إنه بلغه عن كعب بن عجرة، قال: سمعت النبي صلى الله عليه وسلم يقول: ﴿ مَن جَآءَ بِٱلْحَسَنَةِ ﴾ فهي لا إله إلا الله.
﴿ وَمَن جَآءَ بِٱلسَّيِّئَةِ ﴾ فهي الشرك، فهذه تنجي، وهذه تردي، قوله عز وجل: ﴿ إِنَّ ٱلَّذِي فَرَضَ عَلَيْكَ ٱلْقُرْآنَ ﴾ وذلك" أن النبي صلى الله عليه وسلم خرج من الغار ليلاً، ثم هاجر من وجهه ذلك إلى المدينة، فسار في غير الطريق مخافة الطلب، فلما أمن رجع إلى الطريق، فنزل بالجحفة بين مكة والمدينة، وعرف الطريق إلى مكة، فاشتاق إليها، وذكر مولده ومولد أبيه، فأتاه جبريل، عليه السلام، فقال: " أتشتاق إلى بلدك ومولدك؟ فقال النبي صلى الله عليه وسلم: نعم، فقال جبريل: إن الله عز وجل يقول: ﴿ إِنَّ ٱلَّذِي فَرَضَ عَلَيْكَ ٱلْقُرْآنَ لَرَآدُّكَ إِلَىٰ مَعَادٍ ﴾ "، يعني إلى مكة ظاهراً عليهم، فنزلت هذه الآية بالجحفة ليست بمكية، ولا مدنية ﴿ قُل رَّبِّيۤ أَعْلَمُ مَن جَآءَ بِٱلْهُدَىٰ ﴾ وذلك أن كفار مكة كذبوا محمداً صلى الله عليه وسلم، وقالوا: إنك في ضلال، فأنزل الله تبارك وتعالى في قولهم: ﴿ قُل رَّبِّيۤ أَعْلَمُ مَن جَآءَ بِٱلْهُدَىٰ ﴾ فأنا الذي جئت بالهدى من عند الله عز وجل.
﴿ وَ ﴾ هو أعلم ﴿ وَمَنْ هُوَ فِي ضَلاَلٍ مُّبِينٍ ﴾ [آية: ٨٥] يقول: أنحن أم أنتم.﴿ وَمَا كُنتَ تَرْجُوۤ ﴾ يا محمد ﴿ أَن يُلْقَىٰ إِلَيْكَ ٱلْكِتَابُ ﴾ يعني أن ينزل عليك القرآن يذكر النعم، وقال: ما كان الكتاب ﴿ إِلاَّ رَحْمَةً ﴾ يعني عز وجل نعمة ﴿ مِّن رَّبِّكَ ﴾ اختصصت بها يا محمد، وذلك حين دعي إلى دين آبائه، فأوحى الله عز وجل إلى النبي صلى الله عليه وسلم في ذلك، فقال: ﴿ فَلاَ تَكُونَنَّ ظَهيراً ﴾ يعني معيناً ﴿ لِّلْكَافِرِينَ ﴾ [آية: ٨٦] على دينهم.﴿ وَلاَ يَصُدُّنَّكَ ﴾ كفار مكة ﴿ عَنْ آيَاتِ ٱللَّهِ ﴾ يعني عن إيمان بالقرآن ﴿ بَعْدَ إِذْ أُنزِلَتْ إِلَيْكَ وَٱدْعُ ﴾ الناس ﴿ إِلَىٰ ﴾ معرفة ﴿ رَبِّكَ ﴾ عز وجل، وهو التوحيد، ثم أوعز إلى النبي صلى الله عليه وسلم وحذره، فقال سبحانه: ﴿ وَلاَ تَكُونَنَّ مِنَ ٱلْمُشْرِكِينَ ﴾ [آية: ٨٧] وذلك حين دعي إلى دين آبائه. فحذره الله عز وجل أن يتبع دينهم، فقال سبحانه: ﴿ وَلاَ تَدْعُ ﴾ يقول: ولا تعبد ﴿ مَعَ ٱللَّهِ ﴾ تعالى ﴿ إِلَـٰهاً آخَرَ ﴾ فإنه واحد ليس معه شريك، ثم وحد نفسه جل جلاله، فقال: ﴿ لاَ إِلَـٰهَ إِلاَّ هُوَ كُلُّ شَيْءٍ هَالِكٌ إِلاَّ وَجْهَهُ ﴾ يقول سبحانه: كل شيء من الحيوان ميت، ثم استثنى نفسه جل جلاله بأنه تعالى حي دائم لا يموت، فقال جل جلاله: ﴿ إِلاَّ وَجْهَهُ ﴾ يعني إلا هو ﴿ لَهُ ٱلْحُكْمُ ﴾ يعني القضاء ﴿ وَإِلَيْهِ تُرْجَعُونَ ﴾ [آية: ٨٨] أحياء في الآخرة، فيجزيكم عز وجل بأعمالكم.


الصفحة التالية
Icon