﴿ يٰأَيُّهَا ٱلَّذِينَ آمَنُواْ ٱذْكُرُواْ نِعْمَةَ ٱللَّهِ عَلَيْكُمْ ﴾ فى الدفع عنكم وذلك أن أبا سفيان بن حرب، ومن معه من المشركين يوم الخندق تحزبوا فى ثلاثة أمكنة على النبى اصلى الله عليه وسلم وأصحابه يقاتلونهم من كل وجه فبعث الله عز وجل عليهم بالليل ريحاً باردة، وبعث الله الملائكة فقطعت الريح ألأوتاد، وأطفأت النيران، وجالت الخيل بعضها في بعض، وكبرت الملائكة في ناحية عسكرهم، فانهزم المشركون من غير قتال، فأنزل الله عز وجل يذكرهم، فقال تعالى: ﴿ يٰأَيُّهَا ٱلَّذِينَ آمَنُواْ ٱذْكُرُواْ نِعْمَةَ ٱللَّهِ عَلَيْكُمْ ﴾ فى الدفع عنكم ﴿ إِذْ جَآءَتْكُمْ جُنُودٌ ﴾ من المشركين يعنى أبا سفيان بن حرب ومن اتبعه ﴿ فَأَرْسَلْنَا عَلَيْهِمْ رِيحاً ﴾ شديدة ﴿ وَجُنُوداً لَّمْ تَرَوْهَا ﴾ من الملائكة ألف ملك فيهم جبريل عليه السلام ﴿ وَكَانَ ٱللَّهُ بِمَا تَعْمَلُونَ بَصِيراً ﴾ [آية: ٩].
ثم أخبر عن حالهم، فقال سبحانه: ﴿ إِذْ جَآءُوكُمْ مِّن فَوْقِكُمْ ﴾ من فوق الوادى من قبل المشرق عليهم مالك بن عوف البصرى، وعيينة بن حصن الفزارى فى ألف من غطفان معهم طليحة بن خويلد الأسدى، وحيى بن أخطب اليهودى فى اليهود يهود قريظة، وعامر بن الطفيل فى هوزان، ثم قال جل ثناؤه: ﴿ وَمِنْ أَسْفَلَ مِنكُمْ ﴾ يعنى من بطن الوادى من قبل المغرب، وهو أبو سفيان بن حرب على أهل مكة معه يزيد بن خليس على قريش والأعور السلمى من قبل الخندق، فذلك قوله عز وجل: ﴿ وَإِذْ زَاغَتِ ٱلأَبْصَارُ ﴾ يعنى شخصت الأبصار فرقاً ﴿ وَبَلَغَتِ ٱلْقُلُوبُ ٱلْحَنَاجِرَ وَتَظُنُّونَ بِٱللَّهِ ٱلظُّنُونَاْ ﴾ [آية: ١٠] يعنى الإياس من النصر، إخلاف الأمر. يقول: جل ثناؤه: ﴿ هُنَالِكَ ﴾ يعنى عند ذلك ﴿ ٱبْتُلِيَ ٱلْمُؤْمِنُونَ ﴾ بالقتال والحصر ﴿ وَزُلْزِلُواْ زِلْزَالاً شَدِيداً ﴾ [آية: ١١] لما رأى الله عز وجل ما فيه المؤمنون من الجهد والضعف بعث لهم ريحاً وجنوداً من الملائكة، فأطفأت الريح نيرانهم، وألقت أبنيتهم، وأكفأت قدورهم ونزعت أوتادهم، ونسفت التراب فى وجوههم، وجالت الدواب بعضها فى بعض، وسمعوا تكبير الملائكة فى نواحى عسكرهم فرعبوا، فقال طليحة بن خويلد الأسدى: إن محمداً قد بدأكم بالشر، فالنجاة النجاة، فنادى رئيس كل قوم بالرحيل، فانهزموا ليلاً بما استخفوا من أمتعتهم، ورفضوا بعضها لا يبصرون شيئاً من شدة الريح والظلمة، فانهزموا فذلك قوله عز وجل:﴿ وَرَدَّ ٱللَّهُ ٱلَّذِينَ كَفَرُواْ بِغَيْظِهِمْ لَمْ يَنَالُواْ خَيْراً وَكَفَى ٱللَّهُ ٱلْمُؤْمِنِينَ ٱلْقِتَالَ ﴾بالريح والملائكة﴿ وَكَانَ ٱللَّهُ قَوِيّاً عَزِيزاً ﴾[الأحزاب: ٢٥] يعنى منيعاً فى ملكه حين هزمهم.﴿ وَإِذْ يَقُولُ ٱلْمُنَافِقُونَ ﴾ منهم أوس بن قيظى، ومتعب بن قشير الأنصارى ﴿ وَٱلَّذِينَ فِي قُلُوبِهِم مَّرَضٌ ﴾ يعنى الشك ﴿ مَّا وَعَدَنَا ٱللَّهُ وَرَسُولُهُ إِلاَّ غُرُوراً ﴾ [آية: ١٢] وذلك" النبى صلى الله عليه وسلم لما بلغه إقبال المشركين من مكة أمر فحفر كل بنى أب على حدة، وصار سلمان الفارسى فى بنى هاشم، فأتى سلمان على صخرة، فلم يستطع قلعها، فأخذ النبى صلى الله عليه وسلم المعول من سلمان، فضرب به ثلاث ضربات، فانصدع الحجر وسطع نور من الحجر كأنه البرق، فقال سلمان: يارسول الله، لقد رأيت من الحجر أمراً عجيباً وأنت تضربه، فقال النبى صلى الله عليه وسلم: " وهل رأيت "؟ قال نعم قال النبى صلى الله عليه وسلم: " رأيت الضربة الأولى قوى اليمن، وفى الضربة الثانية أبيض المدائن، وفى الضربة الثالثة مدائن الروم، ولقد أوحى الله عز وجل إلىّ بأنه يفتحهن على أمتى "". فاستبشر المؤمنون، وفشا ذلك فى المسلمين، فلما رأوا شدة القتال، والحصر ارتاب المنافقون، فأساءوا القول. قال معتب بن قشير بن عدى الأنصارى من الأوس من بنى عمرو بن عوف: يعدنا محمد فتح قصور اليمن، وفارس، والروم، ولا يستيطع أحدنا أن يبرز إلى الجلاء حتى يوضع فيه سهم هذا، والله الغرور من قول ابن عبدالمطلب، وتابعه على ذلك نفر، فأنزل الله تعالى: ﴿ وَإِذْ يَقُولُ ٱلْمُنَافِقُونَ وَٱلَّذِينَ فِي قُلُوبِهِم مَّرَضٌ ﴾ يعنى كفراً ﴿ مَّا وَعَدَنَا ٱللَّهُ وَرَسُولُهُ إِلاَّ غُرُوراً ﴾.
قا معتب بن قشير: إن الذى يقول لهو الغرور، ولم يقل إن الذى وعدنا الله ورسوله غروراً، لأنه لا يصدق بأن محمداً صلى الله عليه وسلم رسول، فيصدقه، فقال الله تعالى إن الذى قال محمد هو ما وعد الله، وهو قول الله عز وجل، فأكذب الله معتباً.﴿ وَإِذْ قَالَت طَّآئِفَةٌ مِّنْهُمْ ﴾ من المنافقين من بني سالم ﴿ يٰأَهْلَ يَثْرِبَ لاَ مُقَامَ لَكُمْ ﴾ لا مساكن لكم ﴿ فَٱرْجِعُواْ ﴾ إلى المدينة خوفاً ورعباً من الجهد والقتال فى الخندق، يقول ذلك المنافقون بعضهم لبعض، ثم قال: ﴿ وَيَسْتَأْذِنُ فَرِيقٌ مِّنْهُمُ ٱلنَّبِيَّ يَقُولُونَ إِنَّ بُيُوتَنَا عَوْرَةٌ ﴾ يعنى خالية طائعة هذا قول بنى حارثة بن الحارث، وبنى سلمة بن جشم، وهما من الأنصار وذلك أن بيوتهم كانت فى ناحية من المدينة، فقالوا: بيوتنا ضائعة نخشى عليها السراق، يقول الله تعالى: ﴿ وَمَا هِيَ بِعَوْرَةٍ ﴾ يعنى بضائعه ﴿ إِن ﴾ يعنى ما ﴿ يُرِيدُونَ إِلاَّ فِرَاراً ﴾ [آية: ١٣] من القتل نزلت فى قبيلتين من الأنصار بنى حارثة وبنى سلمة بن جشم وهموا أن يتركوا أماكنهم فى الخندق ففيهم يقول الله تعالى:﴿ إِذْ هَمَّتْ طَّآئِفَتَانِ مِنكُمْ أَن تَفْشَلاَ وَٱللَّهُ وَلِيُّهُمَا وَعَلَى ٱللَّهِ فَلْيَتَوَكَّلِ ٱلْمُؤْمِنُونَ ﴾[آل عمران: ١٢٢] قالوا بعدما نزلت هذه الآية ما يسرنا أنا لم نهم بالذى هممنا إذ كان الله ولينا. قوله تعالى: ﴿ وَلَوْ دُخِلَتْ عَلَيْهِمْ مِّنْ أَقْطَارِهَا ﴾ يقول ولو دخلت عليهم المدينة من نواحيها يعنى نواحى المدينة ﴿ ثُمَّ سُئِلُواْ ٱلْفِتْنَةَ ﴾ يعنى الشرك ﴿ لآتَوْهَا ﴾ يعنى لأعطوها عفواً يقول: لوأن الأحزاب دخلوا المدينة، ثم أمروهم بالشرك لأشركوا ﴿ وَمَا تَلَبَّثُواْ بِهَآ إِلاَّ يَسِيراً ﴾ [آية: ١٤] يقول: ما تحسبوا بالشرك إلا قليلاً حتى يعطوا طائعين فيكفوا. ثم أخبر عنهم، فقال سبحانه: ﴿ وَلَقَدْ كَانُواْ عَاهَدُواْ ٱللَّهَ مِن قَبْلُ ﴾ قتال الخندق وهم سبعون رجلاً ليلة العقبة قالوا للنبى صلى الله عليه وسلم اشترط لربك ولنفسك ما شئت، فقال النبى صلى الله عليه وسلم:" " أشترط لربى أن تعبدوه، ولا تشركوا به شيئاً، وأشترط لنفسى أن تمنعونى مما تمنعون منه أنفسكم وأولادكم ونسائكم "، قالوا: فما لنا إذا فعلنا يا نبى الله، قال: لكم النصر فى الدنيا والجنة فى الآخرة "، فقالوا: قد فعلنا ذلك، فذلك قوله: وقد كانوا عاهدوا الله من قبل، يعنى ليلة العقبة حين شرطوا للنبى صلى الله عليه وسلم المنعة ﴿ لاَ يُوَلُّونَ ٱلأَدْبَارَ ﴾ منهزمين وذلك أنهم بايعوا للنبى صلى الله عليه وسلم أنهم يمنعونه مما يمنعون أنفسهم وأولادهم وأموالهم يقول الله عز جل: ﴿ وَكَانَ عَهْدُ ٱللَّهِ مَسْئُولاً ﴾ [آية: ١٥] يقول: أن الله يسأل يوم القيامة عن نقض العهد، فإن عدو الله إبليس سمع شرط الأنصار تلك الليلة، فصاح صيحة أيقظت الناس، فقال النبى صلى الله عليه وسلم: لإبليس: اخسأ عدو الله ".