﴿ لَقَدْ كَانَ لِسَبَإٍ ﴾ وهو زجل بن يشخب بن يعرب بن قحطان ﴿ فِي مَسْكَنِهِمْ آيَةٌ ﴾، ثم قال: ﴿ جَنَّتَانِ ﴾ أحدهم ﴿ عَن يَمِينٍ ﴾ الوادي ﴿ وَ ﴾ الأخرى عن ﴿ وَشِمَالٍ ﴾ الوادي، واسم الوادي العرم، يقول الله عز وجل لأهل تلك الجنتين: ﴿ كُلُواْ مِن رِّزْقِ رَبِّكُمْ ﴾ الذي في الجنتين ﴿ وَٱشْكُرُواْ لَهُ ﴾ لله فيما رزقكم ثم قال: أرض سبأ ﴿ بَلْدَةٌ طَيِّبَةٌ ﴾ بأنها خرجت ثمارها ﴿ وَ ﴾ ربكم إن شكرتم فيما رزقكم ﴿ وَرَبٌّ غَفُورٌ ﴾ [آية: ١٥] للذنوب كانت المرأة تحمل مكتلاً على رأسها، فتدخل البستان فيمتلىء مكتلها من ألوان الفاكهة والثمار من غير أن تمس شيئاً بيدها، وكان أهل سبأ إذا أمطروا يأتيهم السيل من مسيرة أيام كثيرة إلى العرم، فعمدوا فسدوا ما بين الجبلين بالصخر والقار، فاستد زماناً، وارتفع الماء على حافتي الوادي، فصار فيهما ألوان الفاكهة والأعناب فعصوا ربهم، فلم يشكروه، فذلك قوله عز وجل: ﴿ فَأَعْرَضُواْ ﴾ عن الحق ﴿ فَأَرْسَلْنَا عَلَيْهِمْ سَيْلَ ٱلْعَرِمِ ﴾ والسيل هو الماء، والعرم اسم الوادي سلط الله عز وجل الفارة على البناء الذى بنو، وتسمى الخلد، فنقبت الردم ما بين الجبلين، فخرج الماء ويبست جناتهم، وأبدلهم الله عز وجل مكان الفاكهة والأعناب ﴿ وَبَدَّلْنَاهُمْ بِجَنَّتَيْهِمْ جَنَّتَيْنِ ذَوَاتَيْ أُكُلٍ خَمْطٍ ﴾ وهو الأراك ﴿ وَأَثْلٍ ﴾ يعني شجرة تسمى الطرفاء يتخذون منها الأقداح النضار ﴿ وَشَيْءٍ مِّن سِدْرٍ قَلِيلٍ ﴾ [آية: ١٦] وثمره السدر النبق.﴿ ذَلِكَ ﴾ الهلاك ﴿ جَزَيْنَاهُمْ بِمَا كَفَرُواْ ﴾ كافأناهم بكفرهم ﴿ وَهَلْ نُجْزِيۤ إِلاَّ ٱلْكَفُورَ ﴾ [آية: ١٧] وهل يكافأ بعمله السيء إلا الكفور لله عز وجل في نعمه. ثم ﴿ وَجَعَلْنَا بَيْنَهُمْ ﴾ بين أهل سبأ ﴿ وَبَيْنَ ٱلْقُرَى ﴾ قرى الأرض المقدسة الأردن وفلسطين ﴿ ٱلَّتِي بَارَكْنَا فِيهَا ﴾ بالشجر والماء ﴿ قُرًى ظَاهِرَةً ﴾ متواصلة وكان متجرهم من أرض اليمن إلى أرض الشام على كل ميل قرية وسوق، لا يحلون عنده حتى يرجعوا إلى اليمين من الشام، فذلك قوله عز وجل: ﴿ وَقَدَّرْنَا فِيهَا ٱلسَّيْرَ ﴾ للمبيت والمقيل من قرية إلى قرية ﴿ سِيرُواْ فِيهَا لَيَالِيَ وَأَيَّاماً آمِنِينَ ﴾ [آية: ١٨] من الجوع والعطش والسباع، فلم يشكروا ربهم وسالوا ربهم أن تكون القرى والمنازل بعضها أبعد من بعض.﴿ فَقَالُواْ رَبَّنَا بَاعِدْ بَيْنَ أَسْفَارِنَا وَظَلَمُوۤاْ أَنفُسَهُمْ فَجَعَلْنَاهُمْ أَحَادِيثَ ﴾ للناس ﴿ وَمَزَّقْنَاهُمْ كُلَّ مُمَزَّقٍ ﴾ يقول الله عز وجل وفرقناهم في كل وجه، فلما خرجوا من أرض سبأ، ساروا، فأما الأزد فنزلوا البحرين وعمان، وأما خزاعة فنزلوا مكة، وأما الأنصار وهم الأوس والخزرج، فنزلوا المدينة، وأما غسان فنزلوا بالشام، فهذا تمزقهم، فلذلك قوله عز وجل: " كل ممزق " و " جعلناهم أحاديث " ﴿ إِنَّ فِي ذَلِكَ لآيَاتٍ ﴾ يعني في هلاك جنتيهم وتفريقهم عبرة ﴿ لِّكُلِّ صَبَّارٍ شَكُورٍ ﴾ [آية: ١٩] يعني المؤمن من هذه الأمة صبور على البلاء إذا ابتلى أهل سبأ، ثم قال: شكور لله عز وجل في نعمه.﴿ وَلَقَدْ صَدَّقَ عَلَيْهِمْ إِبْلِيسُ ظَنَّهُ ﴾ وذلك أن إبليس خلق من نار السموم، وخلق آدم من طين، ثم قال إبليس: إن النار ستغلب الطين، فقال: ﴿ قَالَ فَبِعِزَّتِكَ لأُغْوِيَنَّهُمْ أَجْمَعِينَ إِلاَّ عِبَادَكَ ﴾ الآية، فمن ثم صدق بقول الله عز وجل: ﴿ فَٱتَّبَعُوهُ ﴾ ثم استثنى عباده المخلصين، فقال جل وعز: ﴿ إِلاَّ فَرِيقاً ﴾ طائفة ﴿ مِّنَ ٱلْمُؤْمِنِينَ ﴾ [آية: ٢٠] لم يتبعوه فيى الشرك، وهم الذين قال الله: ﴿ إِنَّ عِبَادِي لَيْسَ لَكَ عَلَيْهِمْ سُلْطَانٌ ﴾ [الحجر: ٤٢].
ثم قال: ﴿ وَمَا كَانَ لَهُ ﴾ لإبليس ﴿ عَلَيْهِمْ مِّن سُلْطَانٍ ﴾ من ملك أن يضلهم عن الهدى ﴿ إِلاَّ لِنَعْلَمَ ﴾ لنرى ﴿ مَن يُؤْمِنُ بِٱلآخِرَةِ مِمَّنْ هُوَ مِنْهَا فِي شَكٍّ ﴾ ليبين المؤمن من الكافر ﴿ وَرَبُّكَ عَلَى كُلِّ شَيْءٍ ﴾ من الإيمان والشك ﴿ حَفُيظٌ ﴾ [آية: ٢١] رقيب.


الصفحة التالية
Icon