قَوْلُهُ تَعَالَى: ﴿ كَمَآ أَخْرَجَكَ رَبُّكَ مِن بَيْتِكَ بِٱلْحَقِّ ﴾؛ وذلك" أنَّ رسولَ الله صلى الله عليه وسلم بَلَغَهُ أنَّ عِيرَ قُريشٍ أقبلَتْ من الشَّام، وفيهم أبو سُفيان ومَخْرَمَةُ بنُ نَوفَل في أربعينَ رجُلاً من قريش تُجَّاراً، فقالَ عليه السلام لأصحابهِ: " هَذِهِ عِيْرُ قُرَيْشٍ قَدْ أقْبَلَتْ، فَاخْرُجُواْ إلَيْهَا، فَلَعَلَّ اللهَ أنْ يَنْفِلُكُمُوهَا فَتَنْتَفِعُواْ بهَا عَلَى عَدُوِّكُمْ "فيُعِدُّوا على نواضِحِهم ومعهم فارسان لا غيرَ؛ أحدُهما الزُّبير والآخر المقدادُ، فخَرجُوا بغيرِ قوَّة ولا سلاحٍ، وهم ثلاثُمائة وثلاثة عشر رجلاً لا يَرَونَ أنه يكون قتالٌ. فبلغَ ذلك أبو سُفيان، فأرسلَ من الطريقِ ضَمْضَمَ بنِ عمرٍو الغفاري يخبرُ أهلَ مكَّة أن مُحَمَّداً قد اعترضَ لعِيرِكم فأَدركُوها. فَنَزلَ جبريلُ عليه السلام على رسول اللهِ صلى الله عليه وسلم فأخبرَهُ بنَفَرِ المشركين يُريدون عِيرَهم، وقالَ: [يَا مُحَمَّدُ إنَّ اللهَ يَعِدُكَ إحْدَى الطَّائِفَتَيْنِ، إمَّا الْعِيرُ وَإمَّا الْعَسْكَرُ] فأخبرَ بذلك رسولُ الله صلى الله عليه وسلم المسلمينَ فَسُرُّوا بذلكَ وأعجبَهم، فاستشارَ رسولُ الله صلى الله عليه وسلم حين عرفَ أنَّهم لا يُخالِفونَهُ، فقالوا لهُ: (وَاللهِ لَوْ أَمَرْتَنَا أنْ نَخُوضَ الْبَحْرَ لَخُضْنَاهُ) ثم أخبرَهم أن في المشركين كَثْرَةً فشُقَّ على بعضِهم وقالوا: ألاَ كُنْتَ أخْبَرْتَنَا أنَّهُ يَكونُ قِتَالٌ، فَنُخْرِجَ سِلاَحَنا وَقُوَّتَنَا، إنَّمَا خَرَجْنَا في ثِيَابنَا نُرِيدُ الْعِيْرَ. فَأنزلَ اللهُ هذه الآيةَ وهم بالرَّوحاءِ. ومعناها: امْضِ على وجهِكَ من الرَّوحَاءِ (كَمَا أخْرَجَكَ رَبُكَ مِنْ بَيْتِكَ) أي من المدينة (بالْحَقِّ) أي الأمرِ الواجب.
﴿ وَإِنَّ فَرِيقاً مِّنَ ٱلْمُؤْمِنِينَ لَكَارِهُونَ ﴾؛ يعني كراهةَ الطبعِ للمشقَّة لا كراهةَ الحقِّ، وَقِيْلَ معناهُ: ﴿ يُجَادِلُونَكَ فِي ٱلْحَقِّ ﴾؛ متَكَرِّهِينَ له كما أخرجكَ ربُّك من بيتِكَ مع تكرُّهِكَ له، ومعنى يُجَادِلُونَكَ أي يُخاصِمُونَكَ بقولِهم: هلاَّ أعْلمتَنا القتالَ حتى كنا نستعدَّ له.
﴿ بَعْدَ مَا تَبَيَّنَ ﴾؛ أي بعد ما ظهرَ لهم أنكَ لا تصنعُ إلا ما أمرَكَ ربُّك. قَوْلُهُ تعَالَى: ﴿ كَأَنَّمَا يُسَاقُونَ إِلَى ٱلْمَوْتِ ﴾؛ أي هُم بما عليهم من شدَّة المشقَّةِ لقلَّةِ عددِهم وعُدَّتِهم، وكثرةِ عدُوِّهم كأنَّما يُسَاقُونَ إلى الموتِ.
﴿ وَهُمْ يَنظُرُونَ ﴾؛ إلى أسباب الموتِ.