قَوْلُهُ عَزَّ وَجَلَّ: ﴿ فَلَمْ تَقْتُلُوهُمْ وَلَـٰكِنَّ ٱللَّهَ قَتَلَهُمْ ﴾؛ معناهُ: لَم تقتلُوهم يومَ بدرٍ بأنفُسِكم، ولكنَّ الله قَتَلَهم بالملائكةِ. وأضافَ اللهُ قتْلَهم إلى نفسهِ؛ لأن السببَ في قتلِهم كان من اللهِ تعالى، فإنهُ هو الذي أيَّدَ المؤمنين بالملائكةِ حتى شجَّعَ قُلوبَهم، وأنزلَ المطرَ حتى ثبَّتَ به الأقدامَ، وألقَى في قلوب المشركين الرُّعب حتى انْهَزمُوا. وَقِيْلَ: كان المسلمون يقولُون قتَلَنَا فُلاناً وفلاناً. فأرادَ اللهُ تعالى أنْ لا يُعجَبُوا بأنفُسِهم. قَوْلُهُ تَعَالَى: ﴿ وَمَا رَمَيْتَ إِذْ رَمَيْتَ وَلَـٰكِنَّ ٱللَّهَ رَمَىٰ ﴾؛ معناهُ: رُوي" أنَّ النَّبِيَّ صلى الله عليه وسلم قَالَ لِعَلِيٍّ رضي الله عنه: " نَاوِلْنِي كَفّاً مِنْ تُرَاب الْوَادِي " فَنَاوَلَهُ قَبْضَةً، فَاسْتَقْبَلَ بَها وُجُوهَ الْمُشْرِكِينَ فَرَمَاهُمْ وَقَالَ: " شَاهَتِ الْوُجُوهُ وَقَبُحَتْ " فَمَلأَ اللهُ أعْيُنَهُمْ بهَا، فَلَمْ يَبْقَ فِيهِمْ أحَدٌ إلاَّ وَقَدْ شُغِلَ بعَيْنِهِ، فَحَمَلَ عَلَيْهِمُ الْمُسْلِمُونَ فَهَزَمُوهُمْ "فذلك قَوْلُهُ تَعَالَى: ﴿ وَمَا رَمَيْتَ إِذْ رَمَيْتَ ﴾ أعلمَ الله أن كفّاً من التُّراب لا يملأُ عُيونَ ذلك الجيشِ برَميَةِ بَشَرٍ؛ لأنه تعالى توَلَّى إيصالَ ذلك إلى أبصارِهم من الموضعِ الذي كان فيه النبيُّ صلى الله عليه وسلم حتى أصابَ عَيْنَ كلَّ واحدٍ منهم قِسْطٌ من ذلك التُّراب. قَوْلُهُ تَعَالَى: ﴿ وَلِيُبْلِيَ ٱلْمُؤْمِنِينَ مِنْهُ بَلاۤءً حَسَناً ﴾؛ أي وليُنْعِمَ على المؤمنين بالنَّصرِ والغنيمةِ والأُسَارى نعمةً حسنةً. وقوله تعالى: ﴿ إِنَّ ٱللَّهَ سَمِيعٌ عَلِيمٌ ﴾، أي سميعٌ لدُعائِكم، عليمٌ بأفعالِكُم وضمائرِكم.


الصفحة التالية
Icon