قوله عَزَّ وَجَلَّ: ﴿ بَدِيعُ ٱلسَّمَٰوَٰتِ وَٱلأَرْضِ ﴾؛ أي مُبْتَدِعُهما ومُنْشِؤُهما على غير مثال يسبقُ.
﴿ وَإِذَا قَضَىٰ أَمْراً ﴾؛ أي إذا أرادَ شيئاً.
﴿ فَإِنَّمَا يَقُولُ لَهُ كُنْ فَيَكُونُ ﴾، وهذه الآيةُ والتي قبلَها جوابٌ" عن قولِ جماعة من النصارى نَاظَروا النَّبيَّ صلى الله عليه وسلم في أمرِ عيسى عليه السلام. قَالَ لَهم النَّبيُّ صلى الله عليه وسلم: " هُوَ عَبْدُ اللهِ وَرَسُولُهُ " قَالُواْ: هَلْ رَأيْتَ مَنْ خُلِقَ بغَيْرِ أبٍ؟ "فأنزلَ اللهُ هذه الآيةَ وما قبلَها جواباً لَهم. ومعناها: إنَّ اللهَ مبتدعُ السماوات والأرضِ وخالقهُما، وإذا أرادَ أمراً مثلَ عيسى بغيرِ أبٍ أو غير ذلك، فإنَّما يقولُ له: كُنْ، فيكونُ كما أرادَه. والإبْدَاعُ: إيجادُ الأشياءِ على غيرِ مثال سبقَ؛ والبديعُ فعيلٌ بمعنى مُفَعِّلٌ، والبديعُ أشدُّ مبالغةً من المبدعِ. قَوْلُهُ تَعَالَى: ﴿ فَيَكُونُ ﴾ مَن رَفَعَهُ؛ فمعناهُ: فهو يكونُ. ومَن نَصَبَهُ؛ فعلى جواب الأمر بالفاءِ. فإن قيلَ: قوله ﴿ كُنْ ﴾ خطابٌ للموجود أو للمعدوم، ولا يجوزُ الأول؛ لأنَّ الشيءَ الكائنَ لا يؤمَرُ بالكونِ، والثانِي لا يجوزُ أيضاً؛ لأنَّ المعدومَ لا يخاطبُ؟ قيل: إنَّما قالَ ذلك على سبيلِ المثَلِ، لأن الأشياءَ لسهولتها عليه وسرعةِ كونِها بأمره بمنْزلة ما يقولُ له كُنْ فيكونُ. وهذا مِثْلُ قولهِ:﴿ ٱئْتِيَا طَوْعاً أَوْ كَرْهاً ﴾[فصلت: ١١] لم يُرِدْ بهذا أن السماءَ والأرضَ كانتا في موضعٍ فقال لَهما: ائْتِيَا، فجَاءا من ذلك الموضعِ، ولكن أرادَ به تكوينَهما، فعلى هذا معنى ﴿ كُنْ فَيَكُونُ ﴾ أي يُرِيْدُهُ فَيَحْدُثُ.


الصفحة التالية
Icon