قَوْلُهُ تَعَالَى: ﴿ أَجَعَلْتُمْ سِقَايَةَ ٱلْحَاجِّ وَعِمَارَةَ ٱلْمَسْجِدِ ٱلْحَرَامِ كَمَنْ آمَنَ بِٱللَّهِ وَٱلْيَوْمِ ٱلآخِرِ ﴾؛ رُوي عن ابنِ عبَّاس أنه قال: (قالَ الْعَبَّاسُ: لَئِنْ كُنْتُمْ سَبَقْتُمُونَا بالإسْلاَمِ وَالْهِجْرَةِ وَالْجِهَادِ، لَقَدْ كُنَّا نَعْمُرُ الْمَسْجِدَ الْحَرَامَ وَنَسْقِي الْحَاجِّ. فَأَنْزَلَ اللهُ هَذِهِ الآيَةَ). يعني أنَّ ذلك كان منكُم في الشِّركِ ولا أقْبَلُ ما كانَ في الشركِ. ورُوي أنَّ المشركين قالُوا: عمارةُ المسجدِ الحرام وقيامٌ على السِّقايةِ خيرٌ ممن آمَنَ وجاهَدَ. وكانوا يفتَخِرون بالحرَمِ، ويستكبُرون به مِن أجل أنهم أهلهُ وعُمَّارُهُ، فأنزلَ اللهُ هذه الآيةَ، وأخبَرَهم أنَّ عِمَارَتَهم المسجدَ الحرامَ وقيامَهم على السِّقايةِ لا ينفعُهم عندَ اللهِ من الشِّرك بالله. وقال الحسنُ: (نَزَلَتْ هَذِهِ الآيَةُ فِي عَلِيٍّ وَالْعَبَّاسَ وَطَلْحَةَ بْنِ شَيْبَةَ مِنْ بَنِي عَبْدِ الدَّار، وَذلِكَ أنَّهُمُ افْتَخَرُواْ، فَقَالَ طَلْحَةُ: أنَا صَاحِبُ الْبَيْتِ، بيَدَيَّ مِفْتَاحُهُ، قَالَ الْعَبَّاسُ: أنَا صَاحِبُ السَِّقَايَةِ، وَقَالَ عَلِيٌّ: أنَا صَاحِبُ الْجِهَادِ. فَأَنْزَلَ اللهُ هَذِهِ الآيَةَ: ﴿ أَجَعَلْتُمْ سِقَايَةَ ٱلْحَاجِّ وَعِمَارَةَ ٱلْمَسْجِدِ ٱلْحَرَامِ ﴾ أي أجعلتُم صاحبَ سقايةِ الحاجِّ وصاحبَ عمارةِ المسجد الحرام كإيمانِ مَن آمنَ بالله واليومِ الآخر.
﴿ وَجَاهَدَ فِي سَبِيلِ ٱللَّهِ لاَ يَسْتَوُونَ عِندَ ٱللَّهِ ﴾؛ وَقِيْلَ: معناهُ: أجَعلتُم ساقيَ الحاجِّ وعامرَ المسجدِ الحرام، جعلَ السقايةَ بمعنى السَّاقِي، والعمارةَ بمعنى العامرِ، كقوله:﴿ وَٱلْعَاقِبَةُ لِلتَّقْوَىٰ ﴾[طه: ١٣٢] أي للمتَّقين. وقرأ عبدُالله بن الزُّبير وأُبَي: (أَجَعَلْتُمْ سُقَاةَ الْحَاجِّ وَعَمُرَةَ الْمَسْجِدِ الْحَرَامِ) على جميعِ السَّاقي والعامرِ. قَوْلُهُ تَعَالَى: ﴿ وَٱللَّهُ لاَ يَهْدِي ٱلْقَوْمَ ٱلظَّالِمِينَ ﴾؛ أي لا يرشِدُهم إلى الحجَّة ما دامُوا مُصِرِّينَ على الكُفرِ، ولا يرشِدُهم إلى الجنَّة والثواب.