قَوْلُهُ تَعَالَى: ﴿ وَٱلَّذِينَ كَسَبُواْ ٱلسَّيِّئَاتِ جَزَآءُ سَيِّئَةٍ بِمِثْلِهَا ﴾؛ معناهُ: والذين أبَوا طاعةَ اللهِ في ما أمَرَهم به ونَهاهُم عنه، يجازِيهم اللهُ بما يستحقُّونه على العقوبةِ، ولا يجازِيهم بأكثرَ من الاستحقاقِ، بخلافِ الطاعة فإنه تعالى قد يتفضَّلُ على الْمُطِيعِ بزيادة الأجرِ، فإنه كان يجوزُ أن يتَّصِلَ ابتداءً بتلك الزيادةِ، والجزاءُ مرفوعٌ بإضمارٍ، كقوله﴿ فَفِدْيَةٌ ﴾[البقرة: ١٩٦] أي فَعَلَيْهِ ذلكَ، ويجوزُ أن يكون مَرفوعاً بالابتداءِ خبرُ ﴿ بِمِثْلِهَا ﴾ أي مثلِ، الباءُ فيه زائدةٌ. قَوْلُهُ تَعَالَى: ﴿ وَتَرْهَقُهُمْ ذِلَّةٌ ﴾؛ أي يَعْلُوهُمْ كآبَةٌ وكسُوفٌ وهوانٌ؛ لأن العقابَ لا يكون عقاباً بمجرَّد الألَمِ، وإنما يكون عِقاباً بما يُقَارِنْهُ بإرادة الإذلالِ والإهانةِ. قَوْلُهُ تَعَالَى: ﴿ مَّا لَهُمْ مِّنَ ٱللَّهِ مِنْ عَاصِمٍ ﴾؛ أي ما لَهم من حافظٍ يدفعُ عنهم عقابَ الله. وقولهُ تعالى: ﴿ مِنْ عَاصِمٍ ﴾ مِنْ هَاهُنا صلةٌ. وقوله: ﴿ كَأَنَّمَا أُغْشِيَتْ وُجُوهُهُمْ قِطَعاً مِّنَ ٱلْلَّيْلِ مُظْلِماً ﴾؛ أي كأنَّما ألبسَتْ وجُوهم قِطَعاً من اللَّيل، أكثرُ القراءةِ على فتحِ الطَّاء وهو جمعُ قِطْعَةٍ، ويكون ﴿ مُظْلِماً ﴾ على هذهِ القراءة نَصباً على الحالِ، والقطعُ دونَ النعتِ كأنَّه أرادَ قِطَعاً من الليلِ المظلم، فلما حذفَ الألفَ واللام نُصب على القطعِ. ويجوزُ أن يكون حالاً؛ أي قِطَعاً من الليلِ في حال الظُّلمة. وقرأ ابنُ كثير والكسائي ويعقوب (قِطْعاً) ساكنةً الطَّاء؛ أي بَعْضاً كقولهِ تعالى:﴿ بِقِطْعٍ مِّنَ ٱلَّيلِ ﴾[الحجر: ٦٥] ويكون ﴿ مُظْلِماً ﴾ نعتاً للقطعِ، وقولهُ تعالى: ﴿ أُوْلَـٰئِكَ أَصْحَابُ ٱلنَّارِ هُمْ فِيهَا خَالِدُونَ ﴾؛ ظاهرُ المعنى. قال ابنُ عبَّاس رضي الله عنه: (نَزَلَتْ هَذِهِ الآيَةُ فِي أهْلِ الشِّرْكِ). وقولهُ: ﴿ جَزَآءُ سَيِّئَةٍ بِمِثْلِهَا ﴾ أي قِصَاصُ الشِّركِ بالله النارُ، ليس في النارِ زيادةٌ على جزاءِ الْمِثْلِ، إذ لا ذنبَ أعظمُ من الشِّرك، ولا عِقَابَ أشدُّ من النار، كما قال تعالى:﴿ جَزَآءً وِفَاقاً ﴾[النبأ: ٢٦].
وقال صلى الله عليه وسلم:" أوْقِدَ عَلَى النَّار ألْفَ سَنَةٍ حَتَّى احْمَرَّت، ثُمَّ أُوْقِدَ عَلَيْهَا ألْفَ سَنَةٍ حَتَّى ابْيَضَّتْ، ثُمَّ أُوْقِدَ عَلَيْهَا ألْفَ سَنَةٍ حَتَّى اسْوَدَّتْ، فَهِيَ سَوْدَاءُ كَاللِّيْلِ الْمُظْلِمِ إلَى يَوْمِ الْقِيَامَةِ، وَإنَّ لَوْنَهَا أشَدُّ سَوَاداً مِنَ الْقَبْرِ فِي عَيْنَيْنِ خََضْرَاوَيْنِ، وَأهْلُهَا سُودٌ، فَكَذلِكَ طَعَامُهَا وَشَرَابُهَا، وَالَّذِي نَفْسُ مُحَمَّدٍ بيَدِهِ، لَوِ اطَّلَعَ رَجُلٌ مِنْ أهْلِهَا عَلَى الأَرْضِ لاَسْوَدَّتْ بهَا الأَرْضَ مِنْ شِدَّةِ سَوَادِهِ ".