قَوْلُهُ تَعَالَى: ﴿ وَقَالَ مُوسَىٰ رَبَّنَآ إِنَّكَ آتَيْتَ فِرْعَوْنَ وَمَلأَهُ زِينَةً وَأَمْوَالاً فِي ٱلْحَيَاةِ ٱلدُّنْيَا ﴾؛ أي قالَ موسى: إنكَ أعطيتَ فرعونَ وملأَهُ زينةً؛ أي زهرةً من المركَب والْحِلِيِّ والثياب، وأموالاً كثيرةً من الدراهم والدنانير والعُروضِ. قولهُ: ﴿ رَبَّنَا لِيُضِلُّواْ عَن سَبِيلِكَ ﴾؛ أي ربَّنا أعطيتَهم الزينةَ والأموالَ ليكون عاقبةُ أمرِهم أن يُضِلُّوا عن سبيلِكَ فلا يُؤمِنوا، وهذه اللامُ لامُ العاقبة كما في قوله:﴿ فَٱلْتَقَطَهُ آلُ فِرْعَوْنَ لِيَكُونَ لَهُمْ عَدُوّاً وَحَزَناً ﴾[القصص: ٨].
قولهُ: ﴿ رَبَّنَا ٱطْمِسْ عَلَىٰ أَمْوَالِهِمْ ﴾؛ معنى الطَّمْسِ على الأموالِ تغييرُها عن جِهَتِها إلى جهةٍ لا ينتفعُ بها، وحقيقةُ الطَّمْسِ ذهابُ الشيءِ عن صُورتهِ بمَحْقِ الأثرِ. قال مجاهد وقتادة: (فَغَيَّرَ اللهُ أمْوَالَ فِرْعَوْنَ حَتَّى صَارَتْ دَرَاهِمُهُمْ وَدَنَانِِيرُهُمْ حِجَارَةً أنْصَافاً وَأثْلاَثاً وأرْبَاعاً، وكَذلِكَ سَائِرُ أمْوَالِهِمْ حَتَّى السُّكَّرَ وَالْفَوَاكِهَ). قال قتادةُ: (بَلَغَنَا أنَّ حُرُوثاً لَهُمْ صَارَتْ حِجَارَةً). وقال عطاء: (لَمْ يَبْقَ لَهُمْ مَعْدِنٌ إلاَّ طَمَسَ اللهُ عَلَيْهِ، فَلَمْ يَنْتَفِعْ بِه أحَدٌ). قولهُ: ﴿ وَٱشْدُدْ عَلَىٰ قُلُوبِهِمْ ﴾؛ معناه: واربطْ على قلوبهم بالصبرِ حتى لا يتحوَّلوا عن بلادِهم إلى بلاد الخصب فيبقون في هذهِ العقوبة أبداً. وَقِيْلَ: معناهُ: امنَعهُم عن الإيمانِ بكَ، والمعنى اطْبعْ عليها حتى لا تَلِينَ ولا تشرحَ الايمان. قولهُ: ﴿ فَلاَ يُؤْمِنُواْ ﴾؛ قال الزجَّاجُ والفراء: (هَذا دُعَاءٌ عَلَيْهِمْ أيْضاً)، والتأويلُ فلا آمنوا.
﴿ حَتَّىٰ يَرَوُاْ ٱلْعَذَابَ ٱلأَلِيمَ ﴾؛ يعني الغرقَ.