قَوْلُهُ تَعَالَى: ﴿ وَكَذٰلِكَ يَجْتَبِيكَ رَبُّكَ ﴾؛ أي مثلَ ما رأيتَ من سُجودِ الشمسِ والقمر والكواكب، كذلكَ يصطَفِيكَ ربُّكَ ويختارُكَ.
﴿ وَيُعَلِّمُكَ مِن تَأْوِيلِ ٱلأَحَادِيثِ ﴾؛ قِيْلَ: معناهُ: من تأويلِ الرُّؤيا لأنَّ فيه أحاديثَ الناسِ عن رُؤياهم. وَقِيْلَ: معناهُ: أفْهَمَكَ عواقبَ الأمُورِ والحوادث. ويقالُ: يعلِّمُكَ الشرائعَ التي لا تُعْلَمُ إلا من قِبَلِ اللهِ تعالى. قَوْلُ تَعَالَى: ﴿ وَيُتِمُّ نِعْمَتَهُ عَلَيْكَ وَعَلَىٰ ءَالِ يَعْقُوبَ ﴾؛ أي يُتِمُّ نِعمَتَهُ عليك بالنبوَّة كما أتَمَّ النعمةَ؛ قَوْلُهُ تَعَالَى: ﴿ كَمَآ أَتَمَّهَآ عَلَىٰ أَبَوَيْكَ مِن قَبْلُ إِبْرَاهِيمَ وَإِسْحَاقَ ﴾؛ أي يُتِمَّ النعمةَ أيضاً على أولادِ يعقوبَ بكَ؛ لأن ذلك يكون سرَّ حالِهم؛ أي تكون النبوَّةُ فيهم.
﴿ إِنَّ رَبَّكَ عَلِيمٌ حَكِيمٌ ﴾، في أفعالهِ. وفي بعض التفاسيرِ: أنَّ يعقوب عليه السلام كان خطبَ إلى خالهِ ابْنَتَهُ راحيلَ على أن يخدمَهُ سبعَ سنين فأجابَهُ، فلما حلَّ الأجَلُ زوَّجَهُ ابنتَهُ الكبرى لاَيَا، فقالَ يعقوبُ لخالهِ: لَمْ يكن هذا على شَرطِي، قال: إنَّا لا نُنكِحُ الصغيرةَ قبلَ الكبيرةِ، فهَلُمَّ فَآخُذْ منِّي سبعَ سنين أُخرى وأزَوِّجُكَ راحيلَ، وكانوا يجمعون بين الأُختين، فرعَى يعقوبُ سبعَ سنين أُخرى وزوَّجه راحيل، ودفعَ لكلِّ واحدةٍ من ابنتيه أمَةً تخدمها فوهبتاهما ليعقوبَ عليه السلام فولَدت لاَيَا أربعةَ بَنين: روبيل وسَمعون ويهودَا ولاَوِي، ووَلَدت راحيل: يوسُفَ وبنيامين، وولدت الأَمَيَانِ: بنيامين وهابيل ودان ويسائيل وجادوان وآشير. فجملة بَنيهِ اثنا عشرَ ولداً سِوَى البنتينِ. فإن قالَ قائلٌ: إنْ كان يعقوبُ عَلِمَ أنَّ الله يجتبي يوسُفَ ويعَلِّمهُ مِن تأويلِ الأحاديث، فلِمَ إذاً قال:﴿ لاَ تَقْصُصْ رُؤْيَاكَ ﴾[يوسف: ٥]؟ وكيفَ قالَ لَهم:﴿ وَأَخَافُ أَن يَأْكُلَهُ ٱلذِّئْبُ ﴾[يوسف: ١٣] مع علمهِ أنَّ الله سيبعثهُ رَسُولاً؟والجوابُ: أنه عليه السلام كان عَالِماً من طريقِ القطعِ أنَّ الله سيُبلِغُهُ هذه المنْزِلة، ولكن كان مع ذلك يخافُ من وصُولِ الْمَضَارِّ إليه بكَيدِهم، وإنْ لم يخَفِ الهلاكَ. وأرادَ بقولهِ:﴿ أَن يَأْكُلَهُ ٱلذِّئْبُ ﴾[يوسف: ١٣] الزجرَ لهم عن التَّهاوُنِ في حفظهِ، وإنْ كان يعلمُ أن الذئبَ لا يَصِلُ إليه، ولذلك لَمْ يصَدِّقهم في قولِهم:﴿ فَأَكَلَهُ ٱلذِّئْبُ ﴾[يوسف: ١٧]، بل حاجَّهم بما يظهرُ به كَذِبُهم. وَقِيْلَ: أرادَ بقوله ﴿ وَيُتِمُّ نِعْمَتَهُ عَلَيْكَ ﴾ التخلُّصَ من السِّجنِ، كما خَلَّصَ اللهُ إبراهيمَ عليه السلام من النار، وإسحاقَ من الذبحِِ.