قَوْلُهُ تَعَالَى: ﴿ قَالَ ٱجْعَلْنِي عَلَىٰ خَزَآئِنِ ٱلأَرْضِ إِنِّي حَفِيظٌ عَلِيمٌ ﴾؛ أي قال يوسفُ: اجعَلنِي على خزائنِ أرضِكَ، واجعَلْ تدبيرَها إلَيَّ، وأرادَ بذلك الخزائنَ التي يُجمع فيها طعامُ الأرضِ وأموالُها التي كان مصيرُها إلى الملكِ، وكانت أرضُ مصر أربعين فَرسخاً في أربعين فرسخاً. وإنما قال يوسف ذلك لصلاحِ الْخَلْقِ؛ لأن الأنبياءَ عَلَيْهِمُ السَّلاَمُ بُعِثُوا لإقامةِ العدلِ ووضعِ الأشياء مواضِعَها، فعَلِمَ يوسف أنه لا أحدَ أقْوَمُ بذلك منهُ. قَوْلُهُ تَعَالَى: ﴿ إِنِّي حَفِيظٌ عَلِيمٌ ﴾ أي حافظٌ للخزائنِ، عالِمٌ بوَضعِها مواضعها، وَقِيْلَ: لجميعِ ألْسُنِ الغرباء الذين يأتونَك، فإنه كان يتكلَّمُ بالعربيِّ والعبرانِي والسريانِي والقِبْطي. وقيل عالِمٌ بساعات حاجاتِ الناس، وذلك أنْ أمَرَ الخبَّازين أن يجعلوا غداءَ الملكِ نصفَ النهارِ، فمَن ثمَّ جعلَ الملوكُ غداءَهم نصفَ النهار، فلما كانت الليلةُ التي وقعَ فيها الجوعُ أوَّل السنين الْجَدْبَةِ، أمَرَ الخبَّازين أن يجعلُوا غَدَاءَهُ مع عشَائهِ ففعلوا، فوقَعَ الجوعُ فِي نصفِ الليل، فهتفَ الملكُ: يا يوسفُ الجوعَ الجوعَ، فقرَّب إليه طعامَهُ. وفي الآية دليلٌ على أنه لا يجوزُ للإِنسان أن يمدحَ نفسه بالأفضلِ عند مَن لا يعرفهُ، وأنَّ المرادَ بقولهِ تعالى:﴿ فَلاَ تُزَكُّوۤاْ أَنفُسَكُمْ ﴾[النجم: ٣٢] النهيُ من تزكيةِ النفس للفَخْرِ والسُّمعة.


الصفحة التالية
Icon