قَوْلُهُ تَعَالَى: ﴿ فَبَدَأَ بِأَوْعِيَتِهِمْ قَبْلَ وِعَآءِ أَخِيهِ ﴾، أي فبدأ يوسفُ بتفتيشِ أوعِيَتهم قبلَ وعاءِ أخيه.
﴿ ثُمَّ ٱسْتَخْرَجَهَا مِن وِعَآءِ أَخِيهِ ﴾؛ فلَمَّا فتَّشَ وعاءَ أخيهِ وجدَ الصَّاعَ، فلما رأى أخوةَ يوسُفَ ذلك، تحيَّرُوا ونَكَّسُوا رُؤوسَهم، وقالوا لبنيامين: يَا ابْنَ المشؤومةِ وأخُوا المشؤومِ! ما الذِي حَمَلَكَ على أن تسرُقَ صُواعَ الملكِ فتَفضَحَنا وتُزْري بأَبيكَ يعقوبَ، فجعلَ يحلِفُ باللهِ ما سرقتهُ ولا عِلْمَ لِي بمن وضعَهُ. فلم يقبَلُوا منهُ وقالوا له: فمَن وضعَهُ في متَاعِكَ؟ قال: الذي وضعَ بضاعَتَكم في رحالِكم في المرَّة الأُولى، فقالُوا فيما بينهم: لعلَّ هذا الملكُ يريد بنَا أمراً، فبينما هُم في الخصومةِ إذ أقبلَ فتى يُوسف فأخذ برَقبَةِ بنيامينَ وذهبَ به إليه. قَوْلُهُ تَعَالَى: ﴿ كَذٰلِكَ كِدْنَا لِيُوسُفَ مَا كَانَ لِيَأْخُذَ أَخَاهُ فِي دِينِ ٱلْمَلِكِ ﴾ كذلك ضَنَعنا ليوسُفَ حتى أخذ أخاهُ، وفي هذا دليلٌ على أنَّ يوسُفَ كان مأْذُوناً له من جهةِ الله في هذه الحيلةِ ليُضَاعِفَ الثوابَ ليعقوبَ على فَقدِهما. قَوْلُهُ تَعَالَى: ﴿ مَا كَانَ لِيَأْخُذَ أَخَاهُ فِي دِينِ ٱلْمَلِكِ إِلاَّ أَن يَشَآءَ ٱللَّهُ ﴾؛ أي ما كان ليأخُذ أخاهُ في قضاءِ الملك، لأن من حُكمِ الملكِ في السَّارق أن يُضْرَبَ ويَغْرَمَ ضِعْفَي ما سَرَقَ، فلم يكن يوسفُ يتمكَّنُ من حبسِ أخيه عندَهُ في حُكمِ الملكِ لولا ما كادَ اللهُ له تلطُّفاً حتى وجدَ السبيلَ في ذلك، وهو ما جرَى عليه ألسِنَةُ إخوتهِ أنَّ جزاءَ السارقِ الاسترقاقُ، فأمِرُوا به وكان ذلك مُراده، وهو معنى قولهِ ﴿ إِلاَّ أَن يَشَآءَ ٱللَّهُ ﴾ وكان ذلك بمشيئةِ الله. قَوْلُهُ تَعَالَى: ﴿ نَرْفَعُ دَرَجَاتٍ مَّن نَّشَآءُ ﴾؛ أي في العلمِ كما رفَعنا درجةَ يوسف.
﴿ وَفَوْقَ كُلِّ ذِي عِلْمٍ عَلِيمٌ ﴾؛ أي فوقَ كلِّ عالِم عالِمٌ حتى ينتهِي العلمُ إلى اللهِ.