قَوْلُهُ تَعَالَى: ﴿ قَالُواْ يٰأَيُّهَا ٱلْعَزِيزُ إِنَّ لَهُ أَباً شَيْخاً كَبِيراً فَخُذْ أَحَدَنَا مَكَانَهُ ﴾؛ رُوي أنَّ يَهُودَا كان أشدَّ بني يعقوبَ غَضباً، وكان إذا غَضِبَ صاحَ فلا تسمَعُ صوتهُ حَامِلٌ إلاَّ وضَعَتْ، وكان إذا غَضِبَ تقومُ كلُّ شعرةٍ من جسدهِ وتنتفخُ، فلا يسكنُ غضبهُ حتى يَمَسَّهُ واحدٌ من آلِ يعقوب. فقال يَهُودا لبعضِ أخوَتهِ: انظرُوا كَمْ سُوقاً بمصْرَ؟ فنَظَروا فإذا هي عشرةٌ، فقالَ لإخوته: اكفوني مِن هذه الأسواقِ حتى أكفِيكُمْ من الملكِ، ثم قالَ: تباعَدُوا منِّي، فأمرَ يوسفُ ابناً له صَغيراً، فقال: اذهَبْ فمُسَّ ذلك الرجلُ، فدَنَا منه فمَسَّهُ فذهبَ غضبهُ، ثم هَمَّ أن يصيحَ ثانيةً، فقامَ إليه يوسفُ فَرَكَضَهُ برجلهِ ليُرِيَهُ أنه شديدٌ، ودفعَهُ ثم أخذ بتَلاَبيبهِ فجَذبَهُ فوقعَ في الأرضِ. ثُم قال: إنَّكم تَرونَ مَعْشَر العبرانيِّين أنَّ أحداً ليس مِثلَكم في الشدَّة. فقال يَهُودَا لإخوتهِ: هل مَسَّني أحدٌ من آل يعقوبَ؟ قالوا: لاَ، وذلَّ يهودا عند ذلكَ، وقال: أيُّها العزيزُ إنَّ له أباً شَيخاً كبيراً في السنِّ، فذكَروا هذا على جهةِ الاستِرحَامِ. وَقِيْلَ: معناهُ: كبيرَ القَدْر لا يحسبن، أين مِثْلهُ؟ فخُذْ أحدَنا مكانه عَبداً. وَقِيْلَ: وفي هذه دليلٌ أنه كان يجوزُ لإنسان أن يُرِقَّ نفسه لغيرهِ، وقد نُسِخَ هذا بشريعةِ نبيِّنا مُحَمَّدٍ صلى الله عليه وسلم. قَوْلُهُ تَعَالَى: ﴿ إِنَّا نَرَاكَ مِنَ ٱلْمُحْسِنِينَ ﴾؛ إلى كُلِّ مَن يأتيكَ وقد أوفَيتَ لنا الكيلَ، ورَدَدتَّ علينا بضَاعَتنا وقضَيتَ حاجَتنا، فإنْ رَدَدْتَّ معَنا أخانا كان أعظمَ مِنَّةٍ علينا مِن جميعِ ما سبقَ.


الصفحة التالية
Icon