قَوْلُهُ تَعَالَى: ﴿ فَلَمَّا دَخَلُواْ عَلَىٰ يُوسُفَ آوَىٰ إِلَيْهِ أَبَوَيْهِ ﴾؛ رُوي أن يوسف كان يبعثُ إلى يعقوبَ بمائتي راحلةٍ، وسألَهُ أن يأتيَهُ بأهلهِ أجمعين، فتهيَّأَ يعقوبُ للخروجِ، فلما دنَا من مصرَ، وكان يوسف قد خرجَ في أربعةِ آلاف من الجند، فلما رأى يعقوب الخيلَ قال: ما هذا؟قال هو ابْنُكَ، فلما دنَا كلُّ واحد من صاحبهِ، ابتدأ يعقوبُ بالسلامِ فقال: السلامُ عليكَ يا مُذهِبَ الأحزانِ، ثم عانقَ كلُّ واحدٍ منهما صاحبَهُ وبَكَيَا. فقال يوسفُ: يا أبَتِ بكيتَ عليَّ حتى ذهبَ بصَرُكَ؟ قال: نعم، قال: يا أبَتِ حزنتَ عليَّ حتى انحنيتَ؟ قال: نعم، قال: يا أبتِ أما علمتَ أن القيامةَ تجمَعُنا؟ قال: إنِّي خشيتُ أن يُسلَبَ دِينُكَ فلا نجتمعَ. قَوْلُهُ تَعَالَى: ﴿ فَلَمَّا دَخَلُواْ عَلَىٰ يُوسُفَ آوَىٰ إِلَيْهِ أَبَوَيْهِ ﴾ أي ضمَّهُما إلي نفسهِ وأنزَلَهما عندَهُ، قال عامَّةُ المفسِّرين: يعني أباهُ وخالتَهُ؛ لأن أُمَّهُ كانت قد ماتَتْ قبلَ ذلك، وكان موتُها نفاسها ببنيامين، ولأن بنيامين بلغَةِ العبرانية ابنُ الوجيعِ. قَوْلُهُ تَعَالَى: ﴿ وَقَالَ ٱدْخُلُواْ مِصْرَ إِن شَآءَ ٱللَّهُ آمِنِينَ ﴾؛ من العدُوِّ والقحطِ والأسْوَاءِ كلِّها. قَوْلُهُ تَعَالَى: ﴿ وَرَفَعَ أَبَوَيْهِ عَلَى ٱلْعَرْشِ ﴾؛ أي رفَعَهُما معه على سريرٍ. قَوْلُهُ تَعَالَى: ﴿ وَخَرُّواْ لَهُ سُجَّدَاً ﴾؛ أي سجدَ له أبوهُ وخالته وإخوتهُ الأحدَ عشر سجودَ تحيَّةٍ وتشريف، وكان في ذلك الزمانِ يسجدُ الوضيعُ للشريفِ، وقد تقدَّمَ نَسْخُ هذا السجودِ في سورة البقرةِ، وعن عمرَ رضي الله عنه: (أنَّهُ خَرَجَ إلَى بَعْضِ الْقُرَى، فَخَرَجَ إلَيْهِ رَئِيسُ أهْلِ الْقَرْيَةِ فَسَجَدَ لَهُ، فَقَالَ: مَا هَذا؟! قَالَ: شَيْءٌ نَصْنَعُهُ للأُمَرَاءِ وَالْخُلَفَاءِ، فَقَالَ: أُسْجُدْ لِرَبكَ الَّذِي خلَقَكَ). ويقالُ في معنى هذا: إنَّهم سَجَدوا شُكراً للهِ على ما أنعمَ اللهُ عليهم من اجتماعِهم على أيسَرِ الأحوالِ. ويجوزُ أن يكون معنى السجودُ الْمَيَلاَنُ والانحناءُ، عن ابنِ عبَّاس: (أنَّ مَعْنَاهُ: وَخَرُّوا للهِ سُجَّداً)، وقولهُ (لَهُ) كنايةٌ عن اللهِ. قَوْلُهُ تَعَالَى: ﴿ وَقَالَ يٰأَبَتِ هَـٰذَا تَأْوِيلُ رُؤْيَايَ مِن قَبْلُ ﴾؛ أي هذا السجودُ تصديقُ رُؤيَايَ التي رأيتُها من قبلُ.
﴿ قَدْ جَعَلَهَا رَبِّي حَقّاً وَقَدْ أَحْسَنَ بَيۤ ﴾ أي أحسنَ إلَيَّ.
﴿ إِذْ أَخْرَجَنِي مِنَ ٱلسِّجْنِ ﴾؛ هذا ثناءٌ منه على اللهِ تعالى بإنعامهِ عليه؛ إذ خَلَّصَهُ وَنَجَّاهُ من العبوديَّة.
﴿ وَجَآءَ بِكُمْ مِّنَ ٱلْبَدْوِ ﴾؛ وجاءَ بأبيهِ وإخوته من الباديةِ إليه. قَوْلُهُ تَعَالَى: ﴿ مِن بَعْدِ أَن نَّزغَ ٱلشَّيْطَانُ بَيْنِي وَبَيْنَ إِخْوَتِيۤ ﴾؛ بالحسدِ.
﴿ إِنَّ رَبِّي لَطِيفٌ لِّمَا يَشَآءُ ﴾؛ أي لطيفٌ في تدبيرِ عباده وبلُطفهِ جمعَ بيننا على أحسنِ الأحوال.
﴿ إِنَّهُ هُوَ ٱلْعَلِيمُ ﴾؛ بمصالحِ عبادهِ.
﴿ ٱلْحَكِيمُ ﴾ في تدبيرِهم. واختلَفُوا في المدَّة التي كانت بين رُؤيا يوسف وبين تَصدِيقها، قال سلمانُ رضي الله عنه: (أرْبَعُونَ سَنَةً)، وقال ابنُ عبَّاس: (اثْنَانِ وَعُشْرُونَ سَنَةً).