قَوْلُهُ تَعَالَى: ﴿ وَإِذْ قُلْنَا لِلْمَلاۤئِكَةِ ٱسْجُدُواْ لأَدَمََ فَسَجَدُواْ إَلاَّ إِبْلِيسَ ﴾؛ قد تقدَّمَ تفسيرُ ذلك. وقولهُ تعالى: ﴿ قَالَ أَأَسْجُدُ لِمَنْ خَلَقْتَ طِيناً ﴾؛ أي قالَ إبليسُ: أأسجدُ لآدم وهو مخلوقٌ من طينٍ؟ وهذا استفهامٌ بمعنى الإنكار، ونُصِبَ (طِيناً) على الحالِ. قال اللهُ تعالى حَاكياً عن إبليس: ﴿ قَالَ أَرَأَيْتَكَ هَـٰذَا ٱلَّذِي كَرَّمْتَ عَلَيَّ ﴾ أي قالَ إبليس: أخبرنِي عن هذا الذي كرَّمتهُ عليَّ، لِمَ كرَّمتَهُ علَيَّ، وقد خلَقتَني من نارٍ وخلقتهُ من طينٍ؟! اعتقدَ إبليس أنَّ النارَ أكرَمُ أصلاً من الطينِ. قَوْلُهُ تَعَالَى: ﴿ لَئِنْ أَخَّرْتَنِ إِلَىٰ يَوْمِ ٱلْقِيَامَةِ لأَحْتَنِكَنَّ ذُرِّيَّتَهُ إِلاَّ قَلِيلاً ﴾؛ أي لأَستَأْصِلَنَّ ذُرِّيتَهُ بإغوائِهم، إلاَّ قليلاً منهم وهمُ الذين عصَمتَهم مني، تقولُ العربُ: احْتَنَكَتِ السَّنَةُ أمْوالَنَا؛ أي استأْصَلَتْهَا، قال الشاعرُ: أشْكُو إلَيْكَ سَنَةً قَدْ أجْحَفَتْ   وَاحْتَنَكَتْ أمْوَالَنَا وَاجْتَلَفَتْوَاحْتَنَكَتْ حَلَقَتْ، وَاحْتَنَكَتِ الْجَرَادُ مَا عَلَى الأَرْضِ. وَقِيْلَ: معنى ﴿ لأَحْتَنِكَنَّ ﴾ أي لأقتَطِعَنَّ ذُرِّيتَهُ إلى المعاصي، يقالُ: احْتَنَكَ فلانٌ ما عندَ فلانٍ من مالٍ، إذا اقتطعَهُ. وَقِيْلَ: معناهُ: لأَقُودَنَّ ذُريَّتَهُ إلى المعاصِي وإلى النار، مِن قولهم: حَنَكَ دَابَّتَهُ يَحْنِكُهَا من الأَسْفَلِ بحَبْلٍ يَقُودُهَا بهِ.


الصفحة التالية
Icon