قَوْلُهُ تَعَالَى: ﴿ وَلاَ تَقُولَنَّ لِشَاْىءٍ إِنِّي فَاعِلٌ ذٰلِكَ غَداً * إِلاَّ أَن يَشَآءَ ٱللَّهُ ﴾؛ أي لا تَقُلْ إنِّي فاعلٌ شيئاً حتى تَقْرُنَ به قولَكَ إنْ شاءَ اللهُ، فلعلَّكَ لا تبقَى إلى الغدِ، ولا تقدرُ عليه من الغدِ. قال المفسِّرون: لَمَّا سألَ اليهودُ النبيَّ صلى الله عليه وسلم عن خبرِ الفِتْيَةِ وَعَدَهُمْ أن يُخبرَهُمْ غداً، ولَم يقُلْ إن شاءَ اللهُ، فحُبسَ عنه الوحيُ حتى شُقَّ عليه، وأنزل هذه الآية يأمرهُ بالاستثناءِ بمشيئة اللهِ. قَوْلُهُ تَعَالَى: ﴿ وَٱذْكُر رَّبَّكَ إِذَا نَسِيتَ ﴾؛ قال ابنُ عبَّاس ومجاهدُ: (مَعْنَاهُ إذا نَسِيْتَ الاسْتِثْنَاءَ ثُمَّ ذكَرْتَهُ فَاسْتَثْنِ)، وقال سعيدُ بن جبير: (إذا قُلْتَ لِشَيْءٍ: إنِّي فَاعِلُهُ غَداً؛ وَنَسِيْتَ الاسْتِثْنَاءَ بمَشِيْئَةِ اللهِ، ثُمَّ تَذكَّرْتَ، فَقُلْ: إنْ شَاءَ اللهُ، وَإنْ كَانَ بَعْدَ يَوْمٍ أوْ بَعْدَ شَهْرٍ أوْ سَنَةٍ). وعن ابنِ عبَّاس: (مَعْنَاهُ: إذا حَلَفْتَ عَلَى شَيْءٍ وَنَسِيْتَ الاسْتِثْنَاءَ، ثُمَّ ذكَرْتَ فَاسْتَثْنِ مَكَانَكَ وَقُلْ: إنْ شَاءَ اللهُ وَلَوْ كَانَ إلَى سَنَةٍ مَا لَمْ تَحْنَثْ). وقال الحسنُ: (لَهُ أنْ يَسْتَثْنِيَ فِي الْيَمِيْنِ مَا لَمْ يَقُمْ مِنَ الْمَجْلِسِ). وقال إبراهيمُ وعطاء والشعبيُّ: (لاَ يَصِحُّ الاسْتِثْنَاءُ إلاَّ مَوْصُولاً بالْكَلاَمِ، فَيَكُونُ الْمَعْنَى عَلَى هَذا الْقَوْلِ: وَإذا ذكَرْتَ إذا نَسِيْتَ شَيْئاً فَادْعُ اللهَ حَتَّى يُذكِّرُكَ). وقال عكرمةُ: (مَعْنَاهُ: وَاذْكُرْ رَبَّكَ إذا غَضِبْتَ). قال وهبُ: (مكتوبٌ في الإنجيلِ: يا ابنَ آدمَ اذكرونِي حين تغضبُ أذكُرْكَ حين أغضبُ). وقال الضحَّاك والسُّدي: هَذا فِي الصَّلاَةِ لِقَوْلِهِ صلى الله عليه وسلم:" مَنْ نَسِيَ صَلاَةً أوْ نَامَ عَنْهَا؛ فَلْيُصَلِّهَا إذا ذكَرَهَا "قَوْلُهُ: ﴿ وَقُلْ عَسَىٰ أَن يَهْدِيَنِ رَبِّي لأَقْرَبَ مِنْ هَـٰذَا رَشَداً ﴾؛ أي قُلْ عسى أن يعطيَنِي ربي مِن الآيات والدلالاتِ على النبوَّة ما يكونُ أقربَ في الرَّشد، وأدلَّ من قصَّة أصحاب الكهف.


الصفحة التالية
Icon