قَوْلُهُ تَعَالَى: ﴿ فَلَمَّآ أَتَاهَا نُودِيَ يٰمُوسَىٰ ﴾؛ أي فلمَّا أتَى النارَ أي شجرة خضراءَ من أسفلها إلى أعلاها كأنَّها نارٌ بيضاءُ تَتَّقِدُ، فسمِعَ تسبيحَ الملائكة، ورأى نُوراً عظيماً، فخافَ وتعجَّبَ، وألقِيَتْ عليه السكينةُ، ثُم نودي يا موسى.
﴿ إِنِّيۤ أَنَاْ رَبُّكَ ﴾؛ وإنَّما كرَّرَ الكنايةَ؛ لتوكيدِ الدلالة، وإزالة الشُّبهة، وتحقيقِ المعرفة. قُرِئَ (إنِّي أنْ رَبُّكَ) بفتحِ الهمزة وكسرِها، فمن فتحَ فعلى معنى بأَنِّي، ومَن كسرَ فعلى معنى الابتداء. قال وهبُ: (نودي من الشجرةِ، فقيل: يا موسى، فأجابَ سريعاً لا يدري مَن دعاهُ، فقال: إنِّي أسمعُ صوتَكَ فلا أرى مكانكَ، فأين أنتَ؟ قال: أنا فوقكَ ومعك وأمامكَ وخلفك وأقربُ إليك من نفسك، فعَلِمَ أن ذلك لا ينبغي إلاّ لرَبهِ عَزَّ وَجَلَّ، فأيقنَ به). قَوْلُهُ تَعَالَى: ﴿ فَٱخْلَعْ نَعْلَيْكَ ﴾؛ قال الحسنُ: (إنَّمَا أُمِرَ بخَلْعِ نَعْلَيْهِ لِيَنَالَ قَدَمَاهُ بَرَكَةَ الْوَادِي الْمُقَدَّسِ، وَيُبَاشِرَ تُرَابَ الأَرْضِ الْمُقَدَّسَةِ بقَدَمِهِ، فَيَنَالُهُ بَرَكَتُهَا) وقَوْلُهُ تَعَالَى: ﴿ ٱلْمُقَدَّسِ ﴾ أي الْمُطَهَّرِ. قال عكرمةُ: (كَانَتْ نَعْلاَهُ مِنْ جِلْدِ حِمَارٍ مَيْتٍ). قَوْلُهُ تَعَالَى: ﴿ إِنَّكَ بِٱلْوَادِ ٱلْمُقَدَّسِ طُوًى ﴾؛ المقدَّس: هو المطهَّر، وَقِيْلَ: المباركُ، ولا يستدلُّ بما قالَهُ عكرمةُ على أنَّ جلودَ الميتة لا تَطْهُرُ بالدِّباغ؛ لأنه إنْ كانَ كذلك فهو منسوخٌ بقولهِ عليه السلام:" إيَّمَا إهَابٍ دُبغَ طَهُرَ "قَوْلُهُ تَعَالَى: ﴿ طُوًى ﴾ هو اسم الوادي.