قَوْلُهُ تَعَالَى: ﴿ قَالَ رَبِّ ٱشْرَحْ لِي صَدْرِي * وَيَسِّرْ لِيۤ أَمْرِي ﴾؛ أي وَسِّعْ لِي صَدري لأتَمَكَّنَ من تحمُّلِ أثقالِ الرسالة، والقيامِ بأدائها ومخاصمةِ الناس فيها، وسَهِّلْ لِي أمرِي برفعِ المشقَّة ووضع الْمَحَبَّةِ. قوله تعالى: ﴿ وَٱحْلُلْ عُقْدَةً مِّن لِّسَانِي * يَفْقَهُواْ قَوْلِي ﴾؛ أي وَارْفَعْ العُقْدَةَ من لسانِي؛ ليفقهوا قَولِي: كَلامِي. وكان سببُ العُقْدَةِ في لِسانِهِ أنه كان في حُجرة فرعونَ، فأتَى يومٌ فأخذ بلحيتهِ فَنَتَفَ منها شيئاً، وقال فرعونُ لامرأته آسْيَةُ: إنَّ هذا عَدُوِّي المطلوب وَهَمَّ بقتلهِ، فقالت له آسْيَةُ: لا تفعل، فإنه طِفْلٌ لا يعقلُ، ولا يفرِّقُ بين الأشياءِ ولا يُميز، وعلامةُ ذلك: أنه لا يُميز بين الدُّرَّةِ والجمرةِ، ثُم جاءت بطِشْتَيْنِ، فجعلت في أحدِهما الجمرَ من النار، وفي الآخرِ الجوهرَ والْحِلِيَّ، ووضعَتْهُما بين يَدَي موسى، فأراد مُوسى أن يأخذ شيئاً من الحليِّ، فأخذ جبريلُ بيدهِ فوضعَها على النارِ، فأخذ جمرةً ووضعَها في فمهِ حتى أحْرَقَ لسانَهُ، فكانت في لسانهِ رُتَّةٌ، فدفعَ عنهُ أكثرَ الضَّررين بأقلِّهما. وقد اختلفوا في هذه العُقْدَةِ: هل زَالَتْ بأجمعِها في وقتِ نُبُوَّتِهِ، أم لاَ؟ قال بعضُهم - وهو الأصحُّ وإليه ذهبَ الحسنُ -: أنَّ الله استجابَ له، فَحَلَّ العُقدةَ من لسانهِ؛ لأنه تعالى قال﴿ قَدْ أُوتِيتَ سُؤْلَكَ يٰمُوسَىٰ ﴾[طه: ٣٦] فعلى هذا قولُ فرعونَ﴿ وَلاَ يَكَادُ يُبِينُ ﴾[الزخرف: ٥٢] أي لا يأتِي ببيانٍ يُفْهِمُ، وكان هذا القولُ كذباً منهُ؛ ليصرفَ الوجوهَ عنهُ.


الصفحة التالية
Icon