قَوْلُهُ تَعَالَى: ﴿ فَٱسْتَجَبْنَا لَهُ وَنَجَّيْنَاهُ مِنَ ٱلْغَمِّ ﴾؛ أي أجَبْنَا دعوته ونَجَّيْنَاهُ من تلكَ الظُّلمات.
﴿ وَكَذٰلِكَ نُنجِـي ٱلْمُؤْمِنِينَ ﴾؛ إذا دَعَوْنِي، كما نَجَّينا ذا النُّون. قال رسولُ اللهِ صلى الله عليه وسلم:" " اسْمُ اللهِ إذا دُعِيَ بهِ أجَابَ، وَإذا سُئِلَ بهِ أُعْطَي: دَعْوَةُ يُونُسَ بْنِ مَتَّى " قِيْلَ: يَا رَسُولَ اللهِ؛ هِيَ لِيُونُسَ خَاصَّةً أمْ لِجَمَاعَةِ الْمُسْلِمِيْنَ؟ قَالَ: لِيُونُسَ خَاصَّةً، وَلَهُ وَلِلْمُؤْمِنِيْنَ عَامَّةً، أُدْعُوا بهَا، ألَمْ تَسْمَعْ إلَى قَوْلِهِ تَعَالَى ﴿ وَكَذٰلِكَ نُنجِـي ٱلْمُؤْمِنِينَ ﴾ ". واختلفَتِ القراءاتُ في قولهِ ﴿ وَكَذٰلِكَ نُنجِـي ٱلْمُؤْمِنِينَ ﴾، قرأ ابنُ عامرٍ وأبو بكرٍ: (نُجِّي الْمُؤْمِنِيْنَ) بنون واحدةٍ وتشديد الجيمِ وتسكين الياءِ. وجميعُ النحويين حَكَمُوا على هذه القراءةِ باللَّفظِ، وقالوا: هي لَحْنٌ، ثُم ذكرَ الفرَّاء لَها وجهاً فقالَ: أضْمَرَ الْمَصْدَرَ فِي (نُجِّي) أي نُجِّيَ النِّجاءُ الْمُؤْمِنِيْنَ، كَقَوْلِكَ: ضَرَبْتُ الضَّرْبَ زَيْداً عَلَى إضْمَار الْمَصْدَر؛ أي ضُرِبَ الضَّرْبَ زَيْداً، وقال الشاعر: وَلَوْ وَلَدَتْ قُفَيْرَةُ جَرْوَ كَلْبٍ لَسُبَّ بذلِكَ الْجَرْو الْكِلاَبَاومِمن صوَّبَ هذه القراءةَ أبو عُبيد، وأما أبو حاتَم السَّجستانِيُّ فإنه لَحَنَهَا ونسبَ قارئَها إلى الجهلِ وقال: (هَذا لَحْنٌ لاَ يَجُوزُ فِي اللُّغَةِ، وَلاَ يُحْتَجُّ بمِثْلِ ذلِكَ الْبَيْتِ عَلَى كِتَاب اللهِ، إلاَّ أنْ تَقُولَ: وَكَذِكَ نُجِّيَ الْمُؤْمِنُونَ، وَلَوْ قَرَأ ذلِكَ لَكَانَ صَوَاباً). قال أبو علي الفارسيُّ: (هَذا إنَّمَا يَجُوزُ فِي سُورَةِ الشُّعَرَاءِ، فَإنْ قِيْلَ: لِمَ كُتِبَ فِي الْمَصَاحِفِ بنُونٍ وَاحِدَةٍ؟ قِيْلَ: لأنَّ الثَّانِيَةَ لَمَّا سُكِّنَتْ وَكَانَ السَّاكِنُ غَيْرَ ظَاهِرٍ عَلَى اللِّسَانِ حَذفَهُ، كَمَا فَعَلَ ذلِكَ فِي (ألاَّ) فَحَذفُوا النُّونَ مِنْ (أنْ لاَ) لخفائها إذا كَانْتْ مُدْغَمَةً فِي اللاَّمِ).