قَوْلُهُ تَعَالَى: ﴿ هَـٰذَانِ خَصْمَانِ ٱخْتَصَمُواْ فِي رَبِّهِمْ ﴾؛ أرادَ بالخصمينِ المؤمنينَ والكفارَ، وَقِيْلَ: أهلُ الكتاب وأهل القُرْآنِ، والمعنى: اختَصَمُوا في دِين ربهم، فقالتِ اليهودُ والنصارى: نحنُ أولَى باللهِ منكم؛ لأنَّ نبيَّنا قَبْلَ نبيِّكم، وكتابَنا قبلَ كتابكم، وقال المسلمونَ: نحنُ أحقُّ باللهِ منكم، آمَنَّا بكتابنا وكتابكُم ونبيِّنا ونبيِّكم، وأنتُم كفرْتُم بنَبيِّنَا حَسَداً. وَقِيْلَ: أرادَ بالخصمينِ الفريقين الذين تَبَارَزُوا يومَ بَدْرٍ. والخصمُ يقع على الواحدِ والجميع، ألا ترَى أنه جَعَلَ الكفارَ خصماً، والمؤمنين خَصْماً، ولِهذا قال (اخْتَصَمُوا)؛ لأنَّهما جَمْعَانِ وليس برَجُلين. وكان أبو ذرٍّ رضي الله عنه يُقْسِمُ أنَّ هذه الآية نَزَلَتْ في ستَّةِ نَفَرٍ مِن قُريشٍ تَبَارَزُواْ يومَ بدرٍ بثلاثةٍ من المؤمنين وهم: (حَمْزَةُ؛ وَعَلِيٌّ؛ وَعُبَيْدَةُ بْنِ الْحَارثِ) وثلاثةٌ مِن المشركين وهُم: (عُتْبَةُ؛ وَشَيْبَةُ؛ وَالْوَلِيْدُ بْنُ عُتْبَةَ)، قال: وقال عليٌّ رضي الله عنه: (إنِّي لأَوَّلُ مَنْ يُبْعَثُ لِلْخُصُومَةِ يَوْمَ الْقِيَامَةِ بَيْنَ يَدَي اللهِ عَزَّوَجَلَّ). قَوْلُهُ تَعَالَى: ﴿ فَٱلَّذِينَ كَفَرُواْ قُطِّعَتْ لَهُمْ ثِيَابٌ مِّن نَّارٍ ﴾؛ أي نُحَاسٌ قد أُذِيْبَ في النار فيُجْعَلُ على أبدانِهم بمَنْزِلَةِ الثياب، وليس شيءٌ إذا حُمِيَ أشدُّ حَرّاً من النُّحاس.
﴿ يُصَبُّ مِن فَوْقِ رُءُوسِهِمُ ٱلْحَمِيمُ ﴾؛ وهو الماءُ الحارُّ الذي قد انتَهَى حرُّهُ، قَوْلُهُ تَعَالَى: ﴿ يُصْهَرُ بِهِ مَا فِي بُطُونِهِمْ وَٱلْجُلُودُ ﴾؛ أي يُذابُ بالحميمِ الذي يصبُّ مِن فوقِ رؤوسهم ما في بطونِهم من الشُّحوم حتى يخرجَ من أدبارهم، وتُذابُ به الجلودُ أيضاً، فإن جلودَهم تتساقطُ من حرِّ الحميم. والصَّهْرُ الإذابَةُ، يقالُ: صَهَرْتُ الإلْيَةَ بالنَّارِ أصهرها؛ أي أذبتُها.