قَوْلُهُ تَعَالَى: ﴿ إِنَّ ٱلَّذِينَ كَفَرُواْ وَيَصُدُّونَ عَن سَبِيلِ ٱللَّهِ ﴾؛ معناهُ: إنَّ الذين كفَرُوا بمُحَمَّدٍ والقرْآنِ ﴿ وَيَصُدُّونَ عَن سَبِيلِ ٱللَّهِ ﴾ عطفُ المضارعِ على المضافِ؛ لأن المرادَ بالمضارعِ الماضي أيضاً. ويجوزُ أن يكون المعنى الذين كَفَرُوا فيما مَضَى وهُمُ الآن يصدُّون عن سبيلِ الله مع كفْرِهم، والمعنى: يَمْنَعُونَ الناسَ عن طاعةِ الله وعن الطَّوافِ في ﴿ وَٱلْمَسْجِدِ ٱلْحَرَامِ ﴾؛ وهم أبو سُفيان وأصحابهُ الذين صَدُّوا النبيَّ صلى الله عليه وسلم عامَ الحديبيةِ. قَوْلُهُ تَعَالَى: ﴿ ٱلَّذِي جَعَلْنَاهُ لِلنَّاسِ سَوَآءً ٱلْعَاكِفُ فِيهِ وَٱلْبَادِ ﴾؛ معناهُ: الذي جعلناهُ للناسِ كلِّهم، لَم يخصَّ به بعضَهم دون بعضٍ سِوَى المقيمِ فيه، والذي يأتِي مِن غير أهلهِ، وليس الذين صَدُّوا عنهُ بأحقَّ به مِن غيرِهم. قِيْلَ: المراد بالمسجدِ الحرام في هذه الآية الْحَرَمُ كلُّهُ، كما في قولهِ تعالى:﴿ إِلاَّ ٱلَّذِينَ عَاهَدْتُمْ عِندَ ٱلْمَسْجِدِ ٱلْحَرَامِ ﴾[التوبة: ٧] وكان العهدُ بالحديبيةِ. وعن رسولِ الله صلى الله عليه وسلم أنهُ قال:" إنَّ مَكَّةَ لاَ يَحِلُّ بَيْعُ ربَاعِهَا وَلاَ إجَارَةُ بُيُوتِهَا "وَقِيْلَ: إن المرادَ بالمسجدِ الحرام نَفْسُ المسجدِ سِوَى الْمُعْتَكَفِ فيه: الْمُجَاوِرُ والبادِيُ الذي يكون مُلازماً له في حُرمتَهِ وحقُّ الله عليهما فيه سواءٌ. قرأ حفصٌ: (سَوَاءً) بالنصب بإيقاعِ الْجَعْلِ عليه، لأن الجعلَ يتعدَّى إلى مفعُولين. وقرأ الباقون بالرفعِ على الابتداءِ، وما بعدهُ خبره. وقِيْلَ: (سَوَاءٌ) خبرُ مبتدأ متقدِّم تقديرهُ: العَاكِفُ فِيْهِ وَالْبَادِي سَوَاءٌ. قَوْلُهُ تَعَالَى: ﴿ وَمَن يُرِدْ فِيهِ بِإِلْحَادٍ بِظُلْمٍ نُّذِقْهُ مِنْ عَذَابٍ أَلِيمٍ ﴾؛ معناهُ: ومَن يُرِدْ فيه إلحاداً بظُلْمٍ، وفي هذا دليلٌ أن المرادَ بالمسجد الحرامِ كلَّ الْحَرَمِ، فإن الذنبَ في الحرمِ أعظمَ منه في غيره، فعلى هذا يكونُ قوله ﴿ سَوَآءً ٱلْعَاكِفُ فِيهِ وَٱلْبَادِ ﴾ أي سواءً في النَّزول، فليس أحدُهما أحقُّ بالمنْزِل يكون فيه. وحرَّمُوا بهذه الآية كِرَاءَ دور مكَّة وإجارتَها في أيام الموسم. قال عبدُالله بن أسباط: (كَانَ الْحُجَّاجُ إذا قَدِمُوا مَكَّةَ لَمْ يَكُنْ أحَدٌ مِنْ أهْلِ مَكَّةَ أحَقَّ بمَنْزِلِهِ مِنْهُم)، رُوِي: (أنَّهَا كَانَتْ تُدْعَى السَّوَائِبُ فِي زَمَنِ رَسُولِ اللهِ صلى الله عليه وسلم وأبي بَكْرٍ وَعُمَرَ، مِن احْتَاجَ سَكَنَ، وَمَنِ اسْتَغْنَى أُسْكِنَ). والإلحادُ هو الشِّرْكَ بالله تعالى، وَقِيْلَ: كلُّ ظالِمٍ فيه ملحدٌ. وعن رسولِ الله صلى الله عليه وسلم أنه قالَ:" احْتِكَارُ الطَّعَامِ بمَكَّةَ إلْحَادٌ "وأمَّا دخولُ الباء في قوله: (بإلْحَادٍ) فعلى معنى: ومَن إرادتهُ فيه بأنْ يُلْحِدَ بظلمٍ. وَقِيْلَ: الإلحادُ دخول مكة بغيرِ إحرامٍ، وأخذُ حَمَامِ مكَّة وأشياء كثيرة لا يجوزُ للمُحْرِمِ أن يفعَلَها. قَوْلُهُ تَعَالَى: ﴿ نُّذِقْهُ مِنْ عَذَابٍ أَلِيمٍ ﴾ خبرٌ لكل ما تقدَّم من الجملتين من قولهِ تعالى ﴿ إِنَّ ٱلَّذِينَ كَفَرُواْ وَيَصُدُّونَ ﴾، ومِن قولهِ تعالى ﴿ وَمَن يُرِدْ فِيهِ بِإِلْحَادٍ بِظُلْمٍ ﴾.