قَوْلُهُ تَعَالَى: ﴿ إِلاَّ ٱلَّذِينَ تَابُواْ مِن بَعْدِ ذٰلِكَ ﴾؛ أي نَدِمُوا على قَذْفِهم وعَزَمُوا على تركِ الْمُعَاوَدَةِ ﴿ وَأَصْلَحُواْ ﴾؛ أعمالَهم فيما بينَهم وبين ربهم.
﴿ فَإِنَّ ٱللَّهَ غَفُورٌ ﴾؛ لِمَن تابَ منهم.
﴿ رَّحِيمٌ ﴾؛ لِمَن ماتَ على التوبةِ. قال ابنُ عبَّاس: (هَذا الاسْتِثْنَاءُ لاَ يَرْجِعُ إلَى الشَّهَادَةِ، وَإنَّمَا يَرْجِعُ إلَى الْفِسْقِ). وَقِيْلَ: إنَّ توبتَهُ فيما بينه وبينَ اللهِ مقبولةٌ، وأما شهادتهُ فلا تقبلُ أبداً، وهو قولُ شُريحٍ والحسن وإبراهيمَ، وإلى هذا ذهبَ أبو حنيفةَ وأصحابهُ. وذهبَ بعضُ العلماءِ إلى أن الاستثناءَ راجعٌ إلى الفسقِ وإلى ردِّ الشهادةِ، ويكون معنى قولهِ تعالى (أبَدَاً) ما دامَ على القذفِ ولَم يَتُبْ عنهُ. وأجْمَعُوا جميعاً أنَّ هذا الاستثناءَ لا يرجعُ إلى الْجَلْدِ، وذلك يقتضي أن يكونَ مَقْصُوراً على ما يَلِيْهِ وهو الفسقُ. وأجْمَعُوا أن المقذوفةَ إذا ماتت ولَم تُطالِبْ بحدِّ القذفِ ولَم يُحَدَّ القاذفُ ثُم تابَ، فإنهُ يجوز قَبولُ شهادتهِ؛ لأن على أصْلِنا أنَّ الحاكمَ إذا أقامَ الحدَّ على القاذفِ فكذبَهُ وأبطلَ حينئذٍ شهادتَهُ، ولو جُعِلَ بطلانُ الشهادةِ حُكماً معلقاً بتسمية الفسق ولم يجعل حكماً على حالهِ مرتَّباً على الجلدِ لبطُلَتْ فائدةُ قولهِ﴿ وَلاَ تَقْبَلُواْ لَهُمْ شَهَادَةً أَبَداً ﴾[النور: ٤] من كتاب الله؛ لأن كلَّ فاسقٍ لا تقبلُ شهادتهُ إلاّ بعد توبتهِ عن الفسقِ.


الصفحة التالية
Icon