قَوْلُهُ تَعَالَى: ﴿ ٱنظُرْ كَيْفَ ضَرَبُواْ لَكَ ٱلأَمْثَالَ فَضَلُّواْ ﴾؛ معناهُ: انْظُرْ يا مُحَمَّدُ كيفَ ضرَبُوا لكَ الأمثالَ، يعني: مَثَّلُوهُ بالمسحورِ وبالْمُحتاجِ. وَقِيْلَ: معناهُ: انظُرْ كيفَ وصَفُوا لكَ الأشياءَ: إنكَ ساحرٌ وكاهن وكذابٌ وشاعر ومجنونٌ، فَضَلُّوا عن الصواب والْهُدَى وأخطاؤا النسبةَ.
﴿ فَلاَ يَسْتَطِيعُونَ سَبِيلاً ﴾؛ أي فلا يَجِدُونَ طريقاً إلى إلزامِ الحجَّةِ ولا مَخْرَجاً لأنفُسِهم بإثباتِ العُذْر في تركِ الإيْمَانِ به، وذلك أنَّهم جعَلُوا معذرَتَهم في ذلكَ أشياءَ ليست بعُذرٍ. أما أكلُ الطَّعامِ فإنه كان في الرُّسُلِ قبلَهُ، فلم يكن ذلك عُذْراً في تركِ الإيْمَانِ به، ولو أنْزَلَ مَلَكاً لكان يحتاجُ إلى أن يَنْزِلَ من السَّماءِ ويتردَّدُ في الأرضِ لتبليغِ الرسالةِ، كما قالَ تعالى﴿ وَلَوْ جَعَلْنَٰهُ مَلَكاً لَّجَعَلْنَٰهُ رَجُلاً ﴾[الأنعام: ٩] ولو جُعِلَ الْمَلَكُ شَريكاً للنبيِّ صلى الله عليه وسلم مُعاوناً له في الإنذارِ، أدَّى ذلك إلى استِصْغَارِ كلِّ واحد منهما في أنهُ لا يكون كلُّ واحد منهما قائماً بنفسهِ في أداءِ الرسالة. وأما الكَنْزُ فإنه قد وَجَدَ كثيرٌ مِن الفراعنةِ ولَم يوجِبْ ذلك اتباعَهم، وعُدِمَ مع كثير من الأنبياء الذين أقرَّ الخلقُ برسالَتِهم، وكذلكَ الحياةُ؛ ولأن الأنبياءَ صَلَوَاتُ اللهِ عَلَيْهِمْ إنَّما يُبعثون لتزهيدِ الناس في الكنُوز والحياة، وترغيبهم في الآخرةِ، فكيف يجوزُ أن يَمنَعُوا الناسَ عنه ويشتَغِلوا به هُم؟