قَوْلُهُ تَعَالَى: ﴿ وَمَآ أَرْسَلْنَا قَبْلَكَ مِنَ ٱلْمُرْسَلِينَ إِلاَّ إِنَّهُمْ لَيَأْكُلُونَ ٱلطَّعَامَ وَيَمْشُونَ فِي ٱلأَسْوَاقِ ﴾؛ أي يأكلونَ كما تأكلُ أنتَ، ويَمشونَ في الأسواقِ، وهذا احتجاجٌ عليهم في قولِهم﴿ مَالِ هَـٰذَا ٱلرَّسُولِ يَأْكُلُ ٱلطَّعَامَ وَيَمْشِي فِي ٱلأَسْوَاقِ ﴾[الفرقان: ٧].
قَوْلُهُ تَعَالَى: ﴿ وَجَعَلْنَا بَعْضَكُمْ لِبَعْضٍ فِتْنَةً ﴾؛ أي بَلِيْهِ ابتلاءُ الشريفِ بالوضِيع، والعربيِّ بالمولَى، فإذا أراد الشريفُ أن يُسْلِمَ ورأى الوضيعَ قد أسْلَمَ قَبْلَهُ أبَى وقال: أُسْلِمُ بَعْدَهُ فيكونُ له عليَّ السابقةُ والفضلُ! فيقيمُ على كُفْرِهِ. ويَمتنعُ من الإسلام، فذلكَ افْتِتَانُ بعضِهم ببعضٍ، وهذا قولُ الكلبيِّ. وَقِيْلَ: الفتنةُ ها هنا هي العداوةُ التي كانت بينَهم في الدِّين، وما كان المؤمنونَ يَلْقَوْنَ من أذى الكُفَّارِ.
﴿ أَتَصْبِرُونَ ﴾؛ أيُّها المؤمنونَ على أذاهُم حتى تَصِلُوا إلى ثواب الصابرين، فإنَّ بعضَهم لبعضٍ فتنةٌ، يقولُ الفقيرُ: لو شاءَ اللهُ أغْنَانِي مثلَ فُلانٍ، ويقولُ السَّقيمُ: لو شاءَ اللهُ أصحَّني مِثْلَ فُلانٍ، ويقولُ الأعمَى: لو شاءَ اللهُ أبْصَرَنِي مثلَ فُلانٍ.
﴿ وَكَانَ رَبُّكَ بَصِيراً ﴾؛ بالأغنياءِ والفُقراءِ وغيرِهم، أغنَى مَن أوجبَتِ الحكمةُ غِنَاهُ، وأفْقَرَ مَن أوجبَتِ الحكمةُ فَقْرَهُ.


الصفحة التالية
Icon