قَوْلُهُ تَعَالَى: ﴿ وَٱلَّذِينَ لاَ يَشْهَدُونَ الزُّورَ ﴾؛ قال أكثرُ المفسِّرين: الزُّورُ ها هنا بمعنى الشِّركِ. قال الزجَّاجُ: (الزُّورُ فِي اللُّغَةِ الْكَذِبُ، وَلاَ كَذِبَ فَوْقَ الشِّرْكِ باللهِ). وقال قتادةُ: (وَلا يَشْهَدُونَ الزُّورَ، لاَ يُسَاعِدُونَ أهْلَ الْبَاطِلِ عَلَى بَاطِلِهِمْ). وقال محمَّدُ بنُ الحنفيَّة: (لاَ يَشْهَدُونَ الزُّورَ: اللَّهْوَ وَالْغِنَاءَ وَاللَّعِبَ وَأعْيَادَ الْيَهُودِ وَالنَّصَارَى وَالْمَجُوسِ). وقال عليُّ بن أبي طلحةَ: (شَهَادَةُ الزُّورِ). وَكَانَ عُمَرُ رضي الله عنه (يَجْلِدُ شَاهِدَ الزُّورِ أرْبَعِيْنَ جَلْدَةَ ويُسَخِّمُ وَجْهَهُ وَيَطُوفُ بهِ فِي الأَسْوَاقِ). وعن عمرَ بن المنكدرِ أنه قالَ: بَلَغَنِي (أنَّ اللهَ تَعَالَى يَقُولُ يَوْمَ الْقِيَامَةِ: أيْنَ الَّذِيْنَ كَانُواْ يُنَزِّهُونَ أنْفُسَهُمْ عَنْ سَمَاعِ اللَّهْوِ وَمَزَامِيْرِ الشَّيْطَانِ؟ أدْخِلُوهُمْ ريَاضَ الْمِسْكِ. ثُمَّ يَقُولُ لِلْمَلاَئِكَةِ: اسْمِعُوا عَبيْدِي تَحْمِيْدِي وَثَنَائِي وَتَمْجِيْدِي، وَأعْلِمُوهُمْ أنْ لاَ خَوْفٌ عَلَيْهِمْ وَلاَ هُمْ يَحْزَنُونَ). قَوْلُهُ تَعَالَى: ﴿ وَإِذَا مَرُّواْ بِاللَّغْوِ مَرُّوا كِراماً ﴾؛ أي إذا مَرُّوا بالقولِ والفعل الذي لا فائدةَ منه مرُّوا مُكرِمين صَائِنين أنفسَهم عن الخوضِ في ذلك، آمِرِين بالمعروفِ ناهين عن المنكرِ بما قَدِرُوا عليه من قولٍ إذا عَجِزُوا عن الفعلِ، ومِن إظهار كرامةِ وتَعْبيْسٍ وجهٍ إذا عَجِزُوا عن القولِ.


الصفحة التالية
Icon