قَوْلُهُ تَعَالَى: ﴿ كَذَّبَتْ قَوْمُ نُوحٍ ٱلْمُرْسَلِينَ ﴾؛ قال الزجَّاجُ: (دَخَلَتِ التَّاءُ هَا هُنَا، وَ(قَوْمُ) مُذكَّرٌ؛ لأنَّ الْمُرَادَ الْجَمَاعَةُ) أي كذبَتْ جماعةٌ قومُ نوحٍ ومَن قبلَهُ من الرُّسل.
﴿ إِذْ قَالَ لَهُمْ أَخُوهُمْ نُوحٌ أَلاَ تَتَّقُونَ ﴾؛ عذابَ اللهِ بتوحيده وطاعتهِ، وكان أخوهُم من النَّسب لا من جهةِ الدِّين.
﴿ إِنِّي لَكُمْ رَسُولٌ أَمِينٌ ﴾؛ على الرِّسالةِ فيما بَينِي وبين ربكم. وَقِيْلَ: معناهُ: كنتُ أمِيناً فيكم قبلَ اليومِ، فكيفَ تتَّهمُونِي اليومَ.
﴿ فَٱتَّقُواْ ٱللَّهَ ﴾؛ فيما أمَرَكم به.
﴿ وَأَطِيعُونِ ﴾؛ فيما أدعُوكم إليه وأطيعونِي فيما أمُرُكم به من الإيْمان والتوحيد. ﴿ وَمَآ أَسْأَلُكُمْ عَلَيْهِ ﴾؛ أي على الدُّعاء إلى التَّوحيدِ.
﴿ مِنْ أَجْرٍ ﴾؛ مَا.
﴿ إِنْ أَجْرِيَ إِلاَّ عَلَىٰ رَبِّ ٱلْعَالَمِينَ ﴾؛ وَقِيْلَ: ما أسألُكم على تبليغِ الوحي والرِّسالةِ مَالاً فيصدُّكم عن القَبولِ منِّي، وتعتقدون فِيَّ الطمعَ. وقولهُ تعالى: ﴿ فَٱتَّقُواْ ٱللَّهَ وَأَطِيعُونِ ﴾؛ أي اتَّقُوا عقابَ اللهِ، وأطِيعُوا أمْرِي، وتكريرُ ﴿ فَٱتَّقُواْ ٱللَّهَ ﴾: لأنَّ الأول (اتَّقُوا اللهَ وَأطِيْعُونِ) لأنِّي رسولُ رب العالَمين أمينٌ، والثانِي (اتَّقُواْ اللهَ وَأطِيْعُونِ) لأنِّي مَا أسْأَلُكُمْ عَلَيْهِ مِنْ أجْرٍ. فـ ﴿ قَالُوۤاْ ﴾ له: ﴿ أَنُؤْمِنُ لَكَ وَٱتَّبَعَكَ ٱلأَرْذَلُونَ ﴾؛ أي أنُقِرُّ بكَ ونصدِّقُكَ وقد اتَّبَعَكَ سَفَلَتُنَا وهم الأرْذلُونَ الأقَلُّونَ، وكان قد آمَنَ بنوحٍ ضُعفاءُ قومهِ وبنُوهُ، وكان أكثرُ مَن اتَّبعَهُ يخصُّون بصناعاتٍ خَسِيسَةٍ مثل الْحُوَكِ والأسَاكِفَةِ، فلذلك قال لهُ أشرافُ قومهِ: ﴿ وَٱتَّبَعَكَ ٱلأَرْذَلُونَ ﴾، ويقرأُ: (وَأتْبَاعُكَ الأَرْذلُونَ) وهي قراءةُ يعقوبَ؛ أي أشْيَاعُكَ وأهلُ دِينك. قال الزجَّاج: (وَالصِّنَاعَاتُ لاَ تَضُرُّ فِي بَاب الدِّيَانَاتِ)، وقال عطاءُ: (يَعْنُونَ بالأَرْذلُونَ: الْمَسَاكِيْنَ الَّذِيْنَ لَيْسَ لَهُمْ مَالٌ).