قَوْلُهُ تَعَالَى: ﴿ حَتَّىٰ إِذَآ أَتَوْا عَلَىٰ وَادِ ٱلنَّمْلِ ﴾؛ أي سَارُوا جميعاً حتَّى إذا وصَلُوا إلى وادٍ كثيرِ النَّمل، قال كعبٌ: (هُوَ وَادٍ بالطَّائِفِ)، وقال قتادةُ ومقاتل: (هُوَ بالشَّامِ).
﴿ قَالَتْ نَمْلَةٌ ﴾؛ لأصحابها على وَجْهِ التَّحذيرِ: ﴿ يٰأَيُّهَا ٱلنَّمْلُ ٱدْخُلُواْ مَسَاكِنَكُمْ ﴾؛ أي منَازلَكم.
﴿ لاَ يَحْطِمَنَّكُمْ سُلَيْمَانُ وَجُنُودُهُ ﴾؛ أي لا يَكْسِرَنَّكُمْ سليمانُ وجنودهُ.
﴿ وَهُمْ لاَ يَشْعُرُونَ ﴾؛ بذلكَ؛ أي وهم لا يَعْلَمُونَ بحَطْمِكُمْ ووَطْئِكُمْ، فطارَتِ الريحُ بكلامِ النَّملةِ، فأدخلتْهُ في أُذُنِ سُليمانَ عليه السلام ليسمَعَها.
﴿ فَتَبَسَّمَ ضَاحِكاً مِّن قَوْلِهَا ﴾؛ وكان أكثرُ ضَحِكِ الأنبياءِ عَلَيْهِمْ السَّلاَمُ التَّبَسُّمُ. ونُصِبَ قَوْلُهُ تَعَالَى: ﴿ ضَاحِكاً ﴾ على الحالِ، وسببُ ضَحِكِهِ مِن قَوْلِها التعجُّبُ، وذلك أنَّ الإنسانَ إذا رأى ما لا عَهْدَ له بِهِ عَجِبَ وضَحِكَ. قال مقاتلُ: (ثُمَّ حَمَدَ رَبَّهُ حِيْنَ عَلَّمَهُ مَنْطِقَ الطَّيْرِ، وَسَمِعَ كَلاَمَ النَّمَْلَةِ) ﴿ وَقَالَ رَبِّ أَوْزِعْنِيۤ أَنْ أَشْكُرَ نِعْمَتَكَ ﴾؛ يقالُ: فلانٌ مُوزَعٌ بكَذا؛ أي مُولَعٌ بهِ، وَقِيْلَ: معناهُ: وَفِّقْنِي أنْ أشْكُرَ نِعْمَتَكَ.
﴿ ٱلَّتِيۤ أَنْعَمْتَ عَلَيَّ وَعَلَىٰ وَالِدَيَّ ﴾ وَ، وَفِّقْنِي.
﴿ وَأَنْ أَعْمَلَ صَالِحاً تَرْضَاهُ وَأَدْخِلْنِي بِرَحْمَتِكَ فِي عِبَادِكَ ٱلصَّالِحِينَ ﴾؛ في الآخرةِ. فإن قِيْلَ: بَماذا عرفَتِ النملةُ سليمانَ، وعلى أيِّ سبيلٍ كانت معرفتُها بهِ؟ قُلْنَا: إنَّها كانت مأمورةً بطاعتهِ، فلا بدَّ أن تعرفَ مَن أُمِرَتْ بطاعتهِ، ولا يمنع أنْ تعرفَ الدوابُّ والبهائمُ هذا الضربَ، كما تعرفُ كثيراً من منافعِها ومضارِّها، والنملةُ فيها من الفَهْمِ فوقَ هذا، فإنَّا نشاهدُ صُنْعَهَا في إدخالِ رزْقِهَا وحفظهِ وتعهُّدهِ، حتى إنَّها تكسرُ ما تجمعهُ من الحبوب نصفَين نصفين لئَلاَّ تَنْبُتَ، إلاَّ اللُّوَيْزَةَ فإنَّها تكسِرُها أربعَ قِطَعٍ؛ لأنَّها إذا كسرَتْها نِصفَين تنبتُ، فالذي هَدَاها إلى هذهِ الأمور هو الذي ألْهَمَهَا معرفةَ سُليمانَ عليه السلام.