قَوْلُهُ تَعَالَى: ﴿ قَالَتْ إِنَّ ٱلْمُلُوكَ إِذَا دَخَلُواْ قَرْيَةً أَفْسَدُوهَا ﴾؛ أي قالَتْ مُجيبةً لَهم عن التعريضِ بالقتالِ: إنَّ الملوكَ إذا دخَلُوا قريةً عُنْوَةً عن غفلةٍ وقِتَالٍ أفْسَدُوها؛ أي خرَّبُوهَا وأهْلَكُوهَا.
﴿ وَجَعَلُوۤاْ أَعِزَّةَ أَهْلِهَآ أَذِلَّةً ﴾ أي وأهَانُوا أشرَافَها وكُبَراءَها كي يستقيمَ لَهم الأمرُ. وَقِيْلَ: معنى قولهِ ﴿ وَجَعَلُوۤاْ أَعِزَّةَ أَهْلِهَآ أَذِلَّةً ﴾ أي بالقَتْلِ والأسرِ والاستعباد وأخذِ المالِ، وانتهى الكلامُ ها هنا. قال اللهُ تصديقاً لَها: ﴿ وَكَذٰلِكَ يَفْعَلُونَ ﴾؛ أي كما قالَتْ هُم يفعلُونَ. ومعنى الآية: أنَّها حذرَتْهُمْ مسيرَ سُليمانَ إليهم ودخولَ بلادِهم. قَوْلُهُ تَعَالَى: ﴿ وَإِنِّي مُرْسِلَةٌ إِلَيْهِمْ بِهَدِيَّةٍ فَنَاظِرَةٌ بِمَ يَرْجِعُ ٱلْمُرْسَلُونَ ﴾؛ وذلك أنَّها لَمَّا تدبَّرَتْ في أمرِها قَوَّتِ الْمُلاطفةَ بالْهَدايَا، وكانت مِن أولادِ الملوكِ، تعرفُ عادتِهم وحُسْنَ مواقع الهدايا عندَهم، فإنَّ ذلك هو الأَولى، وكانت بلقيسُ امرأةً لَبيْبَةً أدِيْبَةً، فقالَت بهذا القولِ اختِبَاراً لسليمانَ: أمَلِكٌ هو أم نَبيٌّ؟ فإن كان مَلِكاً قَبلَ الْهَدايا وتَرَكَ الوُصولَ إلى بلدِها، وإنْ كان نَبيّاً لَم يرضَ بالْهَدِيَّةِ، ولا يُرضِيه إلاّ أن تَتَّبعَهُ، فهيَّأَتِ الْهَدايا من الْمِسْكِ والعَنْبَرِ والعُودِ وغيرِ ذلك، وأهدت له خَمسَمِائَةِ عبدٍ وخَمسَمِائَةِ جَاريةٍ، وأهدَتْ له أيضاً صِحَافَ الذهب وخمسَمائة لَبنَةٍ من ذهبٍ وخمسَمائة لَبنَةٍ من فِضَّةٍ، وتَاجاً مُكَلَّلاً بالدُّرِّ والياقوتِ.