قَوْلُهُ تَعَالَى: ﴿ فَلَمَّا جَآءَتْ قِيلَ أَهَكَذَا عَرْشُكِ ﴾؛ أي فلما جاءت بلقيسُ إلى سليمانَ، قِيْلَ: أهكذا سَريرُكِ؟ فجعلت تعرفُ وتُنكِرُ، وعَجِبَتْ من حضورهِ عند سُليمانَ، و ﴿ قَالَتْ كَأَنَّهُ هُوَ ﴾؛ وقال مقاتلُ: (عَرَفَتْهُ وَلَكِنَّهَا شَبَّهَتْ عَلَيْهِ كَمَا شَبَّهُواْ عَلَيْهَا، وَلَوْ قِيْلَ لَها: أهَذا عَرْشُكِ؟ لَقَالَتْ: نَعَمْ. فقيلَ لَها: فإنه عرشُكِ، فما أغنَى عنكِ إغلاقُ الأبواب، وكانت قد خلَّفتْهُ وراءَ سبعةِ أبوابٍ لَمَّا خرجت والمفاتيحُ معَها، فلم تُقِرَّ ولَم تُنْكِرْ، فَعَلِمَ سليمانُ كمالَ عقلِها). وقال عكرمةُ: (كَانَتْ حَكِيْمَةً، قَالَتْ: إنْ قُلْتُ هُوَ هُوَ خَشِيْتُ أنْ أكْذِبَ، وَإنْ قُلْتُ لاَ خَشِيْتُ أنْ أكْذِبَ) فلَم تقُلْ نَعَمْْ، ولا قالت لاَ؛ لأنه كان يشبهُ سريرَها، وشكَّتْ في وصولهِ إلى سليمانَ بعد أن وضعتْهُ في أحصَنِ المواضعِ، وشَكَّتْ أيضاً لِمَا أحدثُوا فيه من التغيُّرِ. قَوْلُهُ تَعَالَى: ﴿ وَأُوتِينَا ٱلْعِلْمَ مِن قَبْلِهَا وَكُنَّا مُسْلِمِينَ ﴾؛ هذا من قولِ سُليمانَ عليه السلام وقومَهُ، أي قالُوا: وأُعطينا العلمَ بها وبمُلكِها وسريرِها من قبلِ مَجيئِها، وهو ما أخبرَ به الهدهدُ من شأنِها وقصَّتِها، وقالوا: وَكُنَّا مُسْلِمِيْنَ بحمدِ الله عَزَّ وَجَلَّ من قبلِ مشاهدةِ المعجزات، وهذا قولُ مجاهدٍ. وقال بعضُهم: هذا قولُ من بلقيسَ لَمَّا رأت عرشَها قالت: وَأُوتِينَا العلمَ بصحَّة نبوَّة سليمانَ عليه السلام من قَبْلِ الآيةِ في العرضِ وكنا مُسْلِمِيْنَ طائعينَ منقادين لأمرِ سُليمانَ عليه السلام قبلَ أن نجيءَ إليه.