قَوْلُهُ تَعَالَى: ﴿ بَلِ ٱدَّارَكَ عِلْمُهُمْ فِي ٱلآخِرَةِ ﴾؛ فيه قِراءَتان، قرأ الحسنُ والأعمش وشَيبة ونافع وعاصمُ وحمزة والكسائي وخَلَفُ (بَلْ ادَّارَكَ) بكسرِ اللام وتشديد الدال؛ أي تَدَارَكَ وتتابعَ عليهم في الآخرةِ، ومنهُ قَوْلُهُ تَعَالَى:﴿ حَتَّىٰ إِذَا ٱدَّارَكُواْ فِيهَا جَمِيعاً ﴾[الأعراف: ٣٨]، وقرأ ابنُ كثيرٍ وأبو عمرٍو ويعقوب ومجاهد (بَلْ أدْرَكَ) مِن الإدراكِ؛ أي تَبعَ ولَحِقَ، كما يقالُ: أدْرَكَهُ عِلْمِي؛ أي بَلَغَهُ ولَحِقَهُ. قال ابنُ عبَّاس: (يُرِيْدُ مَا جَهِلُوهُ فِي الدُّنْيَا، وَسَقَطَ عِلْمُهُ عَنْهُمْ عَلِمُوهُ فِي الآخِرَةِ). وقال السديُّ: (اجْتَمَعَ عِلْمُهُمْ يَوْمَ الْقِيَامَةِ فَلَمْ يَشُكُّواْ وَلَمْ يَخْتَلِفُواْ). وقال مقاتلُ: (بَلْ عَلِمُواْ فِي الآخِرَةِ حِيْنَمَا عَايَنُوهَا مَا شَكُّواْ فِيْهِ وَعَمَواْ عَنْهُ فِي الدُّنْيَا). ﴿ بَلْ هُمْ فِي شَكٍّ مِّنْهَا ﴾؛ أي بل هُم اليومَ في الدُّنيا في شَكٍّ من السَّاعةِ.
﴿ بَلْ هُم مِّنْهَا عَمُونَ ﴾؛ جمع عَمٍ، وهو عَمِيُّ القلب، وَقِيْلَ: معنى ﴿ بَلْ هُم مِّنْهَا عَمُونَ ﴾ مُتَحَيِّرُونَ بتَرْكِ التأمُّلِ، يقال: رجلٌ عَمِهٌ وَعَامِهٌ وعَمٍ، إذا كان مُتَحَيِّراً، وقومٌ عَمُونَ؛ أي مُتَحَيِّرُونَ، ويجوزُ أن يكونَ معنى (ادَّارَكَ عِلْمُهُمْ) أي لَحِقَ علمُهم ذلكَ بما نُصِبَ لَهم من الأدلَّةِ، بل هم في شكٍّ منها بتركِ التأمُّلِ.


الصفحة التالية
Icon