قَوْلُهُ تَعَالَى: ﴿ وَحَرَّمْنَا عَلَيْهِ ٱلْمَرَاضِعَ مِن قَبْلُ ﴾؛ الْمَرَاضِعُ جمعُ مُرْضِعَةٍ، وقولهُ تعالى: ﴿ مِن قَبْلُ ﴾ أي من قبلِ مَجِيء أُمِّهِ، ومعنى: ﴿ وَحَرَّمْنَا عَلَيْهِ ﴾ أي مَنَعْنَاهُ، وقد يذكرُ التحريم بمعنى المنعِ، قال الشاعرُ: جَاءَتْ لِسُرْعَتِي فَقُلْتُ لَهَا اصْبرِي إنِّي امْرُؤٌ صَرْعِي عَلَيْكِ حَرَامُأي مُمْتَنِعٌ. وذلك أنَّ اللهَ تعالى أرادَ أن يَرُدَّهُ إلى أُمِّهِ، فَمَنَعَهُ من قَبولِ ثَدْي المراضعِ، فلما تَعَذرَ عليهم رضَاعُهُ؛ ﴿ فَقَالَتْ ﴾؛ أُخته: ﴿ هَلْ أَدُلُّكُمْ عَلَىٰ أَهْلِ بَيْتٍ يَكْفُلُونَهُ لَكُمْ ﴾؛ أي يَضْمَنُونَ لكم القيامَ به ورضَاعَهُ.
﴿ وَهُمْ لَهُ نَاصِحُونَ ﴾؛ أي يُشفِقُونَ عليه وينصَحُونه، قالوا لَها: مَنْ؟ قَالَت: أُمِّي، قالوا: ولأُمِّكِ لبَنٌ؟ قالت: نَعَمْ؛ لبنُ أخِي هارونَ، وكان هارونَ وُلِدَ في سنَة لا يُقتَلُ فيها صبيٌّ، فقالوا: صَدَقْتِ. فدلَّتْهُم على أُمِّ موسى، فدُفِعَ إليها لتُربيَهُ لَهم. فلما وَجَدَ الصبيُّ ريْحَ أُمِّهِ قَبلَ ثديَيْها وأتَمَّها اللهُ ما وعدَها وهو قَوْلُهُ تَعَالَى: ﴿ فَرَدَدْنَاهُ إِلَىٰ أُمِّهِ كَيْ تَقَرَّ عَيْنُهَا وَلاَ تَحْزَنَ ﴾؛ على فِرَاقهِ.
﴿ وَلِتَعْلَمَ أَنَّ وَعْدَ ٱللَّهِ ﴾؛ برَدِّ ولدِها إليها.
﴿ حَقٌّ وَلَـٰكِنَّ أَكْثَرَهُمْ لاَ يَعْلَمُونَ ﴾ أنَّ اللهَ وعدَها برَدِّ ولدِها إليها.