قَوْلُهُ تَعَالَى: ﴿ فَسَقَىٰ لَهُمَا ثُمَّ تَوَلَّىٰ إِلَى ٱلظِّلِّ ﴾؛ فلما سَمِعَ موسَى قولَهما رحِمَهُما، فقامَ ليسقِي لَهما غنمَهما، فوجدَ بقُربهما بئراً أُخرى على رأسِها صخرةٌ عظيمة لا يطيقُ رفعَها إلاَّ جماعة من الناسِ، فاقتلَعَها وحدَهُ ثُم أخذ الدَّلو من القوم، فأدلاَها في البئرِ، ونزعَها وأفرغَها في الحوضِ، ثُم دعا بالبَرَكَةِ فشَرِبَ الغنمُ حتى رَوي. وَقِيْلَ: إنه زَاحَمَ القومَ على بئرِهم وسقَى لَهما غنمَهما، فذلك قَوْلُهُ تَعَالَى: ﴿ فَسَقَىٰ لَهُمَا ﴾ أي سقَى لَهما أغنامَهما قبلَ الوقتِ الذي كانا يسقِيَان فيه، ثُم رجعَ من الشَّمسِ إلى ظلِّ شجرةٍ فجلسَ تحتَها من شدَّةِ الحرِّ، وهو جائعٌ.
﴿ فَقَالَ رَبِّ إِنِّي لِمَآ أَنزَلْتَ إِلَيَّ مِنْ خَيْرٍ فَقِيرٌ ﴾؛ أي إنِّي لَمُحْتَاجٌ فقيرٌ إلى ما قدَّرتَ لِي من الطعامِ، وكان خرجَ من مصر بغيرِ زادٍ وكان لا يأكلُ في الأيام الثمانيةِ إلاّ الحشيشَ والشَّجرَ إلى أن بلغَ ماء مَدْيَنَ، فلما أدركَهُ الجوعُ الشديد؛ وكان لا يقدرُ على شيءٍ؛ سألَ الله أكلَهُ من الطعامِ. قال ابنُ عبَّاس: (سَأَلَ اللهَ فَلْقَ خُبْزٍ أنْ يُقِيْمَ بهِ صُلْبَهُ)، قال سعيدُ بن جبير: (لَقَدْ قَالَ مُوسَى: إنِّي لِمَا أنْزَلْتَ إلَيَّ مِنْ خُبْزٍ فَقِيْرٌ، وَهُوَ أكْرَمُ خَلْقِهِ عَلَيْهِ، وَلَقَدِ افْتَقَرَ إلَى شِقِّ تَمرةٍ)، وقال مُحمَّدٌ: (مَا سَأَلَ اللهَ إلاَّ الْخُبْزَ). واللامُ في قوله تعالى ﴿ إِنِّي لِمَآ أَنزَلْتَ ﴾ بمعنى: إلَيَّ، يقالُ: فقراءُ وفقيرٌ إليه.


الصفحة التالية
Icon