قَوْلُهُ تَعَالَى: ﴿ قَالَتْ إِحْدَاهُمَا يٰأَبَتِ ٱسْتَأْجِرْهُ إِنَّ خَيْرَ مَنِ ٱسْتَأْجَرْتَ ٱلْقَوِيُّ ٱلأَمِينُ ﴾؛ أي قالَتْ إحداهُما وهي التي تزوَّجَها موسى: يا أبَتِ اتَّخِذْهُ أجيراً يرعَى لنا غنمَنا، فإنَّ خيرَ منِ استأجرتَ الذي يقوَى على العملِ، ويؤدِّي الأمانةَ. فقال لَها أبُوهَا: وما عِلْمُكِ بقوَّتهِ وأمانتهِ؟ فقالت: أمَّا قوَّتهُ فإنه لَمَّا رأى أغنامَنا محبوسةً عن الماءِ، قال لنا: هل بقُربكُما بئرٌ؟ قلنا: نَعَمْ؛ لكن عليها صخرةٌ عظيمة لا يرفَعُها إلاّ أربعونَ رجُلاً، قال: انطَلِقا بي إليها، فانطلَقا به إليها، فأخذ الصخرةَ بيدهِ ونَحَّاهَا سَهْلاً من غيرِ كُلْفَةٍ. وأمَّا أمانتهُ فإنه قال لِي في بعضِ الطَّريق: إمْشِ خلفِي، فإنْ أخطأتُ الطريقَ فارْمِ قِبَلِي بحصاةٍ حتى أنْهَجَ نَهْجاً، فإنَّّا قومٌ لا ننظرُ إلى وراءِ النِّساء. ولِهذا المعنى قال عمرُ رضي الله عنه: (لاَ يَصْلُحُ لأُمُور الْمُسْلِمِيْنَ إلاَّ الْقَوِيُّ مِنْ غَيْرِ عُنْفٍ، وَالرَّقِيْقُ مِنْ غَيْرِ ضَعْفٍ). قال فلمَّا ذكرَتِ المرأةُ من حالِ موسى ازدادَ أبُوهَا رغبةً فيهِ و ﴿ قَالَ إِنِّيۤ أُرِيدُ أَنْ أُنكِحَكَ إِحْدَى ٱبْنَتَيَّ هَاتَيْنِ عَلَىٰ أَن تَأْجُرَنِي ثَمَانِيَ حِجَجٍ ﴾؛ أي على أن تَرْعَى غنَمِي، ويكون فيها أجْراً إلى ثَمان سِنين.
﴿ فَإِنْ أَتْمَمْتَ عَشْراً فَمِنْ عِندِكَ ﴾؛ فهو بفَضْلٍ منكَ ليس بواجبٍ عليكَ.
﴿ وَمَآ أُرِيدُ أَنْ أَشُقَّ عَلَيْكَ ﴾؛ في العشرِ، ولا أكلفَّكَ إلاّ العملَ المشروط، والمرادُ بالحِجَجِ السِّنين. قَوْلُهُ تَعَالَى: ﴿ سَتَجِدُنِي إِن شَاءَ اللَّهُ مِنَ الصَّالِحِينَ ﴾؛ مِمن وافَقَ فِعْلَهُ. وَقِيْلَ: ستجدُنِي إن شاءَ اللهُ من الوَافِيْنَ بالعهدِ، الْمُحسِنينَ الصُّحبةَ. فـ ﴿ قَال ﴾ مُوسَى لشعيب: ﴿ ذَلِكَ ﴾؛ الشرط ﴿ بَيْنِي وَبَيْنَكَ ﴾؛ يعني الذي وصفتَ وشَرَطْتَ على ذلك، وما شرطتَ لِي مِن تزويجِ إحداهما عَلَيَّ فلي، والأمر بيننا. وثم السلام. ثُم قال: ﴿ أَيَّمَا ٱلأَجَلَيْنِ ﴾؛ أيُّ الأجلَين من الثَّمانِ أو العَشْرِ.
﴿ قَضَيْتُ ﴾؛ أي أتْمَمْتَ وفَرَغْتَ.
﴿ فَلاَ عُدْوَانَ عَلَيَّ ﴾؛ أي لا ظُلْمَ ولا حرجَ ولا كُلفَةَ. قال الفرَّاء: (مَا) صِلَةٌ فِي قَوْلِهِ: ﴿ أَيَّمَا ٱلأَجَلَيْنِ ﴾.
وقولهُ تعالى: ﴿ وَٱللَّهُ عَلَىٰ مَا نَقُولُ وَكِيلٌ ﴾؛ أي شهيدٌ على ما عَقَدَ بعضُنا على بعضٍ. قال ابنُ عبَّاس: (وَاللهُ شَهِيْدٌ بَيْنِي وَبَيْنَكَ). وعن ابنِ عبَّاس رَضِيَ اللهُ عَنْهُمَا قالَ:" سُئِلَ رَسُولُ اللهِ صلى الله عليه وسلم أيُّ الأَجَلَيْنِ قَضَى مُوسَى؟ فَقَالَ: " أوْفَاهُمَا وَأبْطَئُهُمَا "وعن أبي ذرٍّ قالَ: قالَ رسولُ اللهِ صلى الله عليه وسلم:" وَإذا سُئِلْتَ عَنْ أيِّ الأَجَلَيْنِ قَضَى مُوسَى؟ فَقُلْ: خَيْرُهُمَا أوْ أبَرُّهُمَا، وَإنْ سُئِلْتَ أيُّ الْمَرْأتَيْنِ تَزَوَّجَ؟ فَقُلِ الصُّغْرَى مِنْهُمَا وَالَّتِي جَاءَتْ فَقَالَتْ: يَا أبَتِ اسْتَأْجِرْهُ ".


الصفحة التالية
Icon