قََوْلُهُ تَعَالَى: ﴿ إِنَّ قَارُونَ كَانَ مِن قَوْمِ مُوسَىٰ فَبَغَىٰ عَلَيْهِمْ ﴾؛ قال أكثرُ المفسِّرين: كان قارونُ ابنَ عمِّ موسَى من بني إسرائيلَ، وكان مِن العلماءِ بالتَّوراةِ. وقال بعضُهم كان ابنَ خَالَتِهِ. وقولهُ تعالى ﴿ فَبَغَىٰ عَلَيْهِمْ ﴾ أي بكَثْرَةِ مالهِ، والمعنى: أنه تَطَاوَلَ على موسَى وقومه وجاوزَ الحدَّ في التَّكَبُّرِ عليهم. والبَغْيُ في اللغة: طَلَبُ الْعُلُوِّ بغيرِ حَقٍّ. قَوْلُهُ تَعَالَى: ﴿ وَآتَيْنَاهُ مِنَ ٱلْكُنُوزِ مَآ إِنَّ مَفَاتِحَهُ لَتَنُوءُ بِٱلْعُصْبَةِ أُوْلِي ٱلْقُوَّةِ ﴾ أي أعطيناهُ من الأموالِ الْمَجموعَةِ ما إنَّ مَفَاتِحَهُ، قال ابنُ عبَّاس: (أرَادَ بالْمَفَاتِحِ الْخَزَائِنَ، كَانَتْ خَزَائِنُهُ لِتَثْقَلُ بالْجَمَاعَةِ ذوي الْقُوَّةِ إذا حَمَلُوهَا). قال بعضُهم: هو جمعُ مِفْتَاحٍ؛ وهو ما يُفْتَحُ به البابُ، وهذا قولُ قتادةَ ومجاهد. وَقِيْلَ: مفاتحُ جمع مِفْتَحٍ بكسرِ الميم وهي المفتاحُ، فجمعهُ مفاتيحُ. قال خَيَثَمَةُ: (كَانَتْ مَفَاتِيْحُ قَارُونَ مِنْ جُلُودٍ، كُلُّ مِفْتَاحٍ مِثْلُ الإصْبَعِ، مِفْتَاحُ كُلِّ خِزَانَةٍ عَلَى حِدَةٍ، فَإذا رَكِبَ حَمَلَ الْمَفَاتِيحَ عَلَى سِتِّيْنَ بَغْلاً). وقال ابنُ عبَّاس: (كَانَ يَحْمِلُ مَفَاتِيْحَهُ أرْبَعُونَ رَجُلاً أقْوَى مَا يَكُونُ مِنَ الرِّجَالِ). ومعنى قولهِ تعالى ﴿ لَتَنُوءُ بِٱلْعُصْبَةِ ﴾ وإنَّما العُصْبَةُ تَنُوءُ بالمفاتيحِ؛ أي يثقُلُ في حَملِها، قِيْلَ: هذا شائعٌ في الكلامِ كما يقالُ: عَرَضَتِ الناقةُ على الحوضِ، وإنَّما يعرضُ الحوض عليها، ولا تعرضُ الناقةُ على الماءِ. والكَنْزُ في اللُّغة: اسمٌ لِلمَالِ الذي يُجْمَعُ بعضهُ على بعضٍ، وإذا أُطْلِقُ أُريدَ به ما يُخَبَّأُ تحتَ الأرضِ. وقال خَيْثَمَةُ: (وَجَدْتُ فِي الإنْجِيْلِ: أنَّ مَفَاتِيْحَ خَزَائِنِ قًارُونَ وقرُ سِتِّينَ بَغْلاً غُرّاً مُحَجَّلَةً). وَقِيْلَ: إنَّها كانت من جُلودِ الإبلِ، وكانت من حديدٍ، فلما ثَقُلَتْ عليه جُعلَتْ من خَشَبٍ، فلما ثَقُلَتْ عليه جُعلت من جُلودٍ. قَوْلُهُ تَعَالَى: ﴿ إِذْ قَالَ لَهُ قَوْمُهُ لاَ تَفْرَحْ ﴾؛ قال له قومهُ مِن المؤمنين من بني إسرائيل: لا تَفْرَحْ بالكُنُوزِ والمالِ ولا تَأْشَرْ ولا تَبْطَرْ.
﴿ إِنَّ ٱللَّهَ لاَ يُحِبُّ ٱلْفَرِحِينَ ﴾؛ أي الأَشِرِيْنَ البَطِرِيْنَ الذين لا يشكُرونَ اللهَ على ما أعطاهم. والفَرَحُ إذا أُطْلِقَ أُريدَ الْمَزْحُ الذي يخرجُ إلى البَطَرِ، ولذلكَ قالَ: ﴿ لاَ يُحِبُّ ٱلْفَرِحِينَ ﴾، وقال﴿ إِنَّهُ لَفَرِحٌ فَخُورٌ ﴾[هود: ١٠]، وأما قولهُ﴿ فَرِحِينَ بِمَآ آتَاهُمُ ٱللَّهُ مِن فَضْلِهِ ﴾[آل عمران: ١٧٠] فهو بهدايَةِ النَّفسِ وهو حسنٌ جميل، قال الشاعرُ: وَلَسْتُ بمِفْراحٍ إذا الدَّهْرُ سَرَّنِي وَلاَ جَازعٍ مِنْ صَرْفَهِ الْمُتَقَلَّب