قوله عَزَّ وَجَلَّ: ﴿ هُوَ ٱلَّذِيۤ أَنزَلَ عَلَيْكَ ٱلْكِتَابَ مِنْهُ آيَاتٌ مُّحْكَمَاتٌ هُنَّ أُمُّ ٱلْكِتَابِ وَأُخَرُ مُتَشَابِهَاتٌ ﴾، قال ابنُ عبَّاس: (مَعْنَاهُ: هُوَ الَّذِي أنْزَلَ عَلَيْكَ الْقُرْآنَ مِنْهُ آيَاتٌ وَاضِحَاتٌ مُبيِّنَاتٌ لِلْحَلاَلِ وَالْحَرَامِ هُنَّ أصْلُ الْكِتَاب الَّذِي أنْزِلَ عَلََيْكَ يُعْمَلُ عَلَيْهِ فِي الأَحْكَامِ، وَهُنَّ أمٌّ فِي التَّوْرَاةِ وَالإنْجِيْلِ وَالزَّبُور وَكُلِّ كِتَابٍ) نحوُ قولهِ تعالى:﴿ قُلْ تَعَالَوْاْ أَتْلُ مَا حَرَّمَ رَبُّكُمْ عَلَيْكُمْ ﴾[الأنعام: ١٥١].
وقَوْلُهُ تَعَالَى: ﴿ وَأُخَرُ مُتَشَابِهَاتٌ ﴾ أي ومنهُ آياتٌ أُخَرُ اشتبهَت على اليهودِ مثلُ ﴿ الۤمۤ ﴾ و ﴿ الۤمۤصۤ ﴾.
وقيلَ: يشبهُ بعضُها بعضاً. واختلفوا في الْمُحْكَمِ وَالْمُتَشَابهِ، فقال قتادةُ والربيع والضحَّاك والسديُّ: (الْمُحْكَمُ هُوَ النَّاسِخُ الَّذِي يُعْمَلُ بهِ، وَالْمُتَشَابهُ هُوَ الْمَنْسُوخُ الَّذِي يُؤْمَنُ بهِ وَلاَ يُعْمَلُ بهِ). وعن ابنُ عباس قال: (مُحْكَمَاتُ الْقُرْآنِ: نَاسِخُهُ، وَحَلاَلُهُ؛ وَحَرَامُهُ، وَحُدُودُهُ؛ وَفَرَائِضُهُ؛ وَأَوَامِرُهُ، وَالْمُتَشَابهَاتُ: مَنْسُوخُهُ، وَمُقَدَّمُهُ وَمُؤَخَّرُهُ، وَأَمْثَالُهُ وَأقْسَامُهُ). وقال مجاهدُ وعكرمة: (الْمُحْكَمُ: مَا فِيْهِ الْحَلاَلُ وَالْحَرَامُ، وَمَا سِوَى ذلِكَ مُتَشَابهٌ)، وقال بعضُهم: الْمُحْكَمُ هو الذي لا يحتملُ من التأويلِ إلاّ وَجْهاً وَاحِداً، وَالْمُتَشَابهُ مَا احْتَمَلَ وُجُوهاً. وقال ابنُ زيد: (الْمُحْكَمُ مَا ذكَرَهُ اللهُ مِنْ قِصَصِ الأَنْبيَاءِ مِثْلَ نُوحٍ وَهُودٍ وَصَالِحٍ وَإبْرَاهِيْمَ وَلُوطٍ وَشُعَيْبَ وَمُوسَى عَلَيْهِمُ السَّلاَمُ، وَالْمُتَشَابهُ هُوَ مَا اخْتَلَفَ فِيْهِ الأَلْفَاظُ مِنْ قِصَصِهِمْ عِنْدَ التِّكْرَار كَمَا فِي مَوْضِعٍ مِنْ قِصَّةِ نُوحٍ﴿ قُلْنَا ٱحْمِلْ ﴾[هود: ٤٠] وَفِي مَوْضِعٍ آخَرَ﴿ فَٱسْلُكْ ﴾[المؤمنون: ٢٧]، وَقَالَ تَعَالَى فِي الْعَصَا:﴿ فَإِذَا هِيَ حَيَّةٌ تَسْعَىٰ ﴾[طه: ٢٠]، وَفِي مَوْضِعٍ آخَرَ﴿ فَإِذَا هِيَ ثُعْبَانٌ مُّبِينٌ ﴾[الأعراف: ١٠٧]، وَقَوْلُهُ تَعَالَى:﴿ فَبِأَيِّ آلاۤءِ رَبِّكُمَا تُكَذِّبَانِ ﴾[الرحمن: ١٣] ونحو﴿ وَيْلٌ يَوْمَئِذٍ لِّلْمُكَذِّبِينَ ﴾[المرسلات: ١٥] وَنَحْوِ ذلِكَ). وقال بعضُهم: الْمُحْكَمُ ما عرفَ العلماءُ تأويلَه وفهموا معانيه، وَالْمُتَشَابهُ ما ليسَ لأحدٍ إلى علمهِ سبيلٌ مما استأثرَ الله بعلمه، نحوُ: خروجِ الدجَّال؛ ونزولِ عيسى؛ وطلوع الشمس من مغربها؛ وقيامِ الساعة؛ وفناء الدنيا ونحوِها. وقال ابنُ كيسان: (الْمُحْكَمَاتُ حُجَجُهَا وَاضِحَةٌ؛ وَدَلاَئِلُهَا وَاضِحَةٌ؛ لاَ حَاجَةَ لِمَنْ سَمِعَهَا إلَى طَلَب مَعْنَاهَا، وَالْمُتَشَابهُ هُوَ الَّذِي يُدْرَكُ عِلْمُهُ بالنَّظَرِ، وَلاَ تَعْرِفُ الْعَوَامُّ تَفْصِيْلَ الْحَقِّ فِيْهِ مِنَ الْبَاطِلِ). وقال بعضُهم: الْمُحْكَمُ ما اجْتُمِعَ على تأويلهِ، والمتشابهُ ما ليس فيه بيانٌ قاطع. وقال محمدُ بن الفضلِ: (هُوَ سُورَةُ الإخْلاَصِ لأنَّهُ لَيْسَ فِيْهَا إلاَّ التَّوْحِيْدُ فَقَطْ، وَالْمُتَشَابهُ نَحْوُ قَوْلِهِ﴿ ٱلرَّحْمَـٰنُ عَلَى ٱلْعَرْشِ ٱسْتَوَىٰ ﴾[طه: ٥] وَنَحْوُ قَوْلِهِ﴿ خَلَقْتُ بِيَدَيَّ ﴾[ص: ٧٥]، وَنَحْوُ ذلِكَ مِمَّا يَحْتَاجُ إلَى تَأَويْلِهَا فِي الإبَانَةِ عَنْهَا). ويقال: الْمُحْكَمُ: نحوُ قولهِ تعالى:﴿ وَلَقَدْ خَلَقْنَا ٱلسَّمَٰوَٰتِ وَٱلأَرْضَ وَمَا بَيْنَهُمَا فِي سِتَّةِ أَيَّامٍ ﴾[ق: ٣٨] والمتشابهُ: نحوُ قوله:﴿ خَلَقَ ٱلأَرْضَ فِي يَوْمَيْنِ ﴾[فصلت: ٩] ثُمَّ قالَ﴿ وَقَدَّرَ فِيهَآ أَقْوَاتَهَا فِيۤ أَرْبَعَةِ أَيَّامٍ ﴾[فصلت: ١٠] ثُم قال:﴿ فَقَضَٰهُنَّ سَبْعَ سَمَٰوَٰتٍ فِي يَوْمَيْنِ ﴾[فصلت: ١٢] فظَنَّ مَن لا معرفةَ له أن العددَ ثَمانية أيامٍ ولم يعلم أنَّ اليومين الأوَّلين داخلان في الأربعةِ التي ذَكرَها اللهُ من بعد. وقال الزجَّاج: (الْمُحْكَمُ مَا اعْتَرَفَ بهِ أهْلُ الشِّرْكِ مِمَّا أخْبَرَ اللهُ بهِ مِنْ إنْشَاءِ الْخَلْقِ؛ وَجَعْلِهِ مِنَ الْمَاءِ كُلَّ شَيْءٍ حيٍّ؛ وَمَا خَلَقَ اللهُ مِنَ الثَّمَارِ وَسَخَّرَ لَهُمْ مِنَ الْفُلْكِ وَالرِّيَاحِ. وَالْمُتَشَابهُ: مَا تَشَابَهَ عَلَيْهِمْ مِنْ أمْرِ الْبَعْثِ). وَقَدْ سَمى اللهُ جُمْلَةَ القرآن مُحكماً؛ فقالَ:﴿ كِتَابٌ أُحْكِمَتْ آيَاتُهُ ﴾[هود: ١] فوصفهُ بالإحكامِ، وسَماه كله متشابهاً في آيةٍ أخرى، فقالَ:﴿ ٱللَّهُ نَزَّلَ أَحْسَنَ ٱلْحَدِيثِ كِتَاباً مُّتَشَابِهاً ﴾[الزمر: ٢٣] أي يشبهُ بعضُه بعضاً في الْحُسن والتصديق. قوله عَزَّ وَجَلَّ: ﴿ فَأَمَّا الَّذِينَ في قُلُوبِهِمْ زَيْغٌ فَيَتَّبِعُونَ مَا تَشَابَهَ مِنْهُ ٱبْتِغَاءَ ٱلْفِتْنَةِ وَٱبْتِغَاءَ تَأْوِيلِهِ وَمَا يَعْلَمُ تَأْوِيلَهُ إِلاَّ ٱللَّه ﴾؛ معناهُ: ﴿ فَأَمَّا الَّذِينَ فِي قُلُوبهِمْ ﴾ مَيْلٌ عن الحقِّ والهدى وهم اليهود فَيَتَّبعُونَ مَا اشتبهَ عليهم من أمرِ الحروف المقطَّعة، يحسبون ذلك بحساب الْجُمَلِ ﴿ ٱبْتِغَاءَ ٱلْفِتْنَةِ ﴾؛ أي طلبَ الكُفْرِ والشِّرك.
﴿ وَٱبْتِغَاءَ تَأْوِيلِهِ ﴾ في طلب تفسير منتهَى ما كتبَ اللهُ لأمَّة مُحَمَّدٍ صلى الله عليه وسلم من المدَّة ليرجع الْمُلْكُ إلى اليهودِ.
﴿ وَمَا يَعْلَمُ ﴾ تفسيرَ ما كتبَ الله لهذه الأمّة ﴿ إِلاَّ ٱللَّه ﴾.
وقال الربيعُ: (" إنَّ هَذِهِ الآيَةَ نَزَلَتْ فِي وَفْدِ نَصَارَى نَجْرَانَ لَمَّا حَاجُّواْ النَّبِيَّ صلى الله عليه وسلم فِي الْمَسِيْحِ؛ فَقَالُواْ: ألَيْسَ هُوَ كَلِمَةُ اللهِ وَرُوحٌ مِنْهُ؟ قَالَ: " بَلَى " قَالُواْ: حَسَناً "، فَأَنْزَلَ اللهُ هَذِهِ الآيَةَ). وقال ابنُ جريج: (الَّذين فِي قُلُوبهِمْ زَيْغٌ؛ أيْ شَكٌّ وَهُمْ الْمُنَافِقُونَ). وقال الحسنُ: (هُمُ الْخَوَارجُ)، وقال بعضُهم: جميعُ المبتَدِعة، أعاذنا اللهُ من البدعةِ. ومعنى الآية: أن النصارى صَرفوا كلمة الله إلى ما يقولون من قدم عيسى مع الله عَزَّ وَجَلَّ، وصرفوا قوله﴿ وَرُوحٌ مِّنْهُ ﴾[النساء: ١٧١] إلى أنه جزءٌ منه كروحِ الإنسانِ، وإنَّما أراد الله تعالى بقوله﴿ وَكَلِمَتُه ﴾[النساء: ١٧١] أنَّ الله تعالى إنَّما صيَّره بكلمةٍ منه وهي قولهُ﴿ كُنْ ﴾[البقرة: ١١٧] فكان، وسَماهُ روحَهُ لأنه خلقَهُ من غيرِ أبٍ، بل أمرَ جبريلَ فنفخَ في جيب مريَم عَلَيْهَا السَّلاَمُ؛ فهو روحٌ من الله أضافَهُُ إلى نَفسهِ تشريفاً له، كبيتِ الله وأرضِ الله. وقيل: سَمَّاهُ روحاً؛ لأنهُ كان يُحيي الموتى، كما سَمَّى القرآنَ روحاً من حيث إن فيه حياةُ الناس في أمرِ دينهم، قالَ اللهُ تعالى﴿ وَكَذَلِكَ أَوْحَيْنَآ إِلَيْكَ رُوحاً مِّنْ أَمْرِنَا ﴾[الشورى: ٥٢] فصرفَ أهلُ الزيغِ قولَه تعالى﴿ وَكَلِمَتُهُ أَلْقَاهَا إِلَىٰ مَرْيَمَ وَرُوحٌ مِّنْهُ ﴾[النساء: ١٧١] إلى مذاهبهم الفاسدةِ طلبَ الكفرِ والضَّلال، ولم يَرُدُّوا هذا اللفظَ الذي اشتبه عليهم وشبَّهوه على أنفسهم إلى الآيةِ الْمُحْكَمَةِ؛ وهو قوله عَزَّ وَجَلَّ:﴿ إِنَّ مَثَلَ عِيسَىٰ عِندَ ٱللَّهِ كَمَثَلِ ءَادَمَ خَلَقَهُ مِن تُرَابٍ ﴾[آل عمران: ٥٩] فعلى هذا يكونُ: ﴿ وَمَا يَعلَمُ تَأْويلَهُ إلاَّ اللهُ ﴾ أي ما يعلمُ تأويلَ جميعِ المتشابه حتى يستوعب علمَ المتشابهات إلاّ اللهُ. واختلفَ أهلُ العلم في معنى هذه الآيةِ، فقالَ قومٌ (الواو) في قولهِ تعالى: ﴿ وَٱلرَّاسِخُونَ فِي ٱلْعِلْمِ ﴾، واو العطفِ، يعني أن تأويلَ المتشابهِ يعلمهُ الله ويعلمهُ الراسخونَ في العلمِ، وهم مع عِلْمِهِمْ: ﴿ يَقُولُونَ آمَنَّا بِهِ كُلٌّ مِّنْ عِندِ رَبِّنَا وَمَا يَذَّكَّرُ إِلاَّ أُوْلُواْ ٱلأَلْبَابِ ﴾؛ والمعنى والثابتونَ في العلم يعلمونَ تأويلَ ما نَصَبَ اللهُ لَهم الدلالة عليه إلى المتشابه وبعلمهم يقولونَ: ربَّنا آمنَّا به، فروي عنِ أبنِ عبَّاس: ﴿ وَمَا يَعْلَمُ تَأْويلَهُ إلاَّ الله والرَّاسِخُونَ فِي الْعِلْمِ ﴾ يَعْلَمُونَهُ قَائِلِيْنَ: آمَنَّا بهِ). ومنهُم من جعلَ تَمام الكلامِ عند قولهِ ﴿ إلاَّ اللهُ ﴾.
وفي قراءةِ ابنِ مسعود آمَنَّا (يَقُولُ الرَّاسِخُونَ فِي الْعِلْمِ آمَنَّا بهِ) وهو مرويٌّ أيضاً عنِ ابن عبَّاس. ولا يبعدُ أن يكونَ للقرآنِ تأويلٌ ليستأثرَ اللهُ بعلمه دون خلقِه؛ لأنَّا لا نعلمُ مرادَ الله وحكمته في جميعِ أوامره ونواهيه؛ غيرَ أنه ألْزَمَنَا العملَ بما أنزلَهُ ولم يطالبْنا بما لا سبيلَ لنا إلى معرفتهِ، ولم يُخْفِ عنَّا علم ما غابَ عنَّا، مثل قيامِ الساعة وغيرِ ذلك إلاَّ لِما فيه من المصلحةِ لنا وما هو خيرٌ لنا في دينِنا ودُنيانا، وما عُلِّمْنَاهُ فلم يعلِّمناهُ إلاَّ لمصلحتنا ونفعنا فنعرفَ بصحَّة جميع ما أنزلَ الله؛ والتصديق بذلك كله ما علمنا منه وما لم نعلم. وكان ابن عباس يقولُ: (أنَا مِنَ الرَّاسِخِيْنَ فِي الْعِلْمِ). وقرأ مجاهدُ هذه الآيةَ؛ فقال: (أنَا مِمَّنْ يَعْلَمُ تَأَويْلَهُ). وروى عكرمةُ عنِ ابن عبَّاس؛ قالَ: (كُلُّ الْقُرْآنِ أعْلَمُ تَأَويْلَهُ إلاَّ أرْبَعاً (غِسْلِيْنَ) وَ (حَنَاناً) وَ (الأَوَّاُه) وَ (الرَّقِيْمُ)). وهذا إنَّما قالَهُ ابنُ عباس في وقتٍ ثم عَلِمَها بعد ذلك وفسَّرها. وممن اختار تَمام الكلام عند قوله ﴿ إلاَّ اللهُ ﴾ واستئنافُ الكلام بقوله ﴿ وَٱلرَّاسِخُونَ ﴾: عائشةُ وعروة بنُ الزبير ورواية طاووسٍ عن ابن عباس كذلكَ أيضاً؛ واختارهُ الكسائيُّ والفرَّاء ومحمدُ بن جرير؛ وقالوا: (إنَّ الرَّاسِخِيْنَ لاَ يَعْلَمُونَ تَأَويْلَهُ، وَلَكِنَّهُمْ يُؤمِنُونَ بهِ). والآيةُ راجعةٌ على هذا التأويل إلى العلمِ بمدَّة أجلِ هذه الأمة؛ ووقتِ قيام السَّاعة وفنَاء الدُّنيا؛ ووقتِ طُلوع الشمس من مغربها؛ ونزولِ عيسى؛ وخُروج الدجَّال ويَأْجُوجَ وَمَأْجُوجَ؛ وعلم الرُّوح ونحوُها مما استأثرَ اللهُ بعلمه ولمْ يُطْلِعْ عليه أحداً من خَلْقِهِ. قَوْلُهُ تَعَالَى: ﴿ وَأُخَرُ مُتَشَابِهَاتٌ ﴾ أُخَرُ جمع أُخْرَى، ولم ينصرف لأنَّه معدولٌ عن أُخَرٍ مثل عُمَرَ وَزُفَرَ، وقَوْلُهُ تَعَالَى: ﴿ والرَّاسِخُونَ فِي الْعِلْمِ ﴾ قال بعضُهم: هُم علماءُ أهلِ الكتاب الذين آمنوا منهم؛ مثلُ عبدِالله بن سلام وأصحابه، ودليلهُ قَوْلُهُ تَعَالَى﴿ لَّـٰكِنِ ٱلرَّاسِخُونَ فِي ٱلْعِلْمِ مِنْهُمْ ﴾[النساء: ١٦٢] يعني الدَّارسين علمَ التوراة. وعن أبي أُمامة قال: سُئِلَ رَسُولُ اللهِ صلى الله عليه وسلم مَنِ الرَّاسِخُونَ فِي الْعِلْمِ؟ فَقَالَ:" مَن بَرَّ فِي يَمِيْنِهِ؛ وَصَدَقَ لِسَانُهُ؛ وَاسْتَقَامَ قَلْبُهُ؛ وَعَفَّ بَطْنُهُ وَفَرْجُهُ؛ فَذِلكَ الرَّاسِخُ فِي الْعِلْمِ ". وسُئل أنس بنُ مالكٍ عن تفسيرِ الراسخين في العلم مَنْ هُمْ؟ فقالَ: (الرَّاسِخُ: هُوَ الْعَالِمُ الْعَامِلُ بمَا عَلِمَ الْمُتَّبعُ). وقيل الراسخونَ في العلم: المتواضِعون لله، المتذلِّلون في طلب مَرْضَاتِهِ، لا يتعاظَمون على مَن فوقهم ولا يحتقِرون مَن دونَهم. وقال بعضُهم: الراسخُ في العلم مَن وُجِدَ فِي عمله أربعةُ أشياء: التقوى بينَهُ وبينَ اللهِ، والتواضعُ بينه وبين الخلْقِِ، والزهدُ بينه وبين الدُّنيا، والمجاهدةُ بينه وبينَ نفسهِ.