قَوْلُهُ تَعَالَى: ﴿ وَوَصَّيْنَا ٱلإِنْسَانَ بِوَالِدَيْهِ ﴾؛ نزل في سَعدِ بن أبي وقَّاص؛ لَمَّا آمَنَ بالنَّبيِّ صلى الله عليه وسلم حَلَفَتْ أُمُّهُ لاَ تَذُوقُ طَعَاماً وَلاَ شَرَاباً وَلاَ يُظِلُّهَا شَيْءٌ حَتَّى يَرْجِعَ سَعْدُ إلَى دِينْهِ، فَمََضَتْ عَلَى هَذَا أيَّاماً، فَبَلَغَ مِنْ أمْرِهَا إلَى أنْ تَدَاخَلَ بَعْضُ أسْنَانِهَا فِي بَعْضٍ، فَأَنْزَلَ اللهُ هَذِهِ الآيَةَ، فَقَالَ سَعْدٌ: (لَوْ كَانَ لَهَا سَبْعُونَ نَفْساً فَخَرَجَتْ مَا ارْتَدَدْتُ عَنِ الإسْلاَمِ) فَفَتَحَ فَاهَا وَصَبَّ فِيْهِ الطَّعَامَ وَالشَّرَابَ. ومعنى ﴿ وَوَصَّيْنَا ٱلإِنْسَانَ ﴾ أي أمرناهُ ببرِّ والدَيه عطفاً عليهما. وقَوْلُهُ تَعَالَى: ﴿ حَمَلَتْهُ أُمُّهُ وَهْناً عَلَىٰ وَهْنٍ ﴾؛ أي ضَعْفاً على ضعفٍ، ومشقَّةً على مشقةٍ، كلَّما ازدادَ الولدُ في الرَّحمِ كِبر، ازدادت الأمُّ ضَعفاً. قَوْلُهُ تَعَالَى: ﴿ وَفِصَالُهُ فِي عَامَيْنِ ﴾؛ أي وفِطَامُهُ في انقضاءِ عامَين، وقدَّرَهُ بعامين بناءً على الأغلب، ولأنَّ الرَّضاع لا يستحقُّ بعد هذه المدَّة. والفِصَالُ هو الفِطَامُ، وهو أن يُفْصَلَ الولدُ عن الأمِّ كي لا يرضع. والمعنى بهذا ذكرُ مشقَّة الوالدةِ بإرضاعِ الولد عامَين. ورُوي عن يعقوب: (وَفَصْلُهُ فِي عَامَيْنِ) بغير ألفٍ. قَوْلُهُ تَعَالَى: ﴿ أَنِ ٱشْكُرْ لِي وَلِوَالِدَيْكَ ﴾؛ أي قُلنا له اشكُرْ لِي على خلْقِي إياكَ، وعلى إنعامِي عليكَ، واشكُرْ لوالديكَ على تربيَتهما إياكَ. وقال مقاتلُ: (اشْكُرْ لِي إذْ هَدَيْتُكَ للإسْلاَمِ، وَلِوَالِدَيْكَ بمَا أوْلَيَاكَ مِنَ النِّعَمِ). قَوْلُهُ تَعَالَى: ﴿ إِلَيَّ ٱلْمَصِيرُ ﴾؛ أي مصيرُكَ ومصيرُ والدَيك، وعن سُفيان بن عُيينةَ في قولهِ: ﴿ أَنِ ٱشْكُرْ لِي وَلِوَالِدَيْكَ ﴾ قال: (مَنْ صَلَّى الصَّلَوَاتِ الْخَمْسِ فَقَدْ شَكَرَ اللهَ، وَمَنْ دَعَا لِلْوَالِدَيْنِ فِي إدْبَار الصَّلَوَاتِ فَقَدْ شَكَرَ لِلْوَالِدَيْنِ).