قَوْلُهُ تَعَالَى: ﴿ وَإِن جَاهَدَاكَ عَلَىٰ أَن تُشْرِكَ بِي مَا لَيْسَ لَكَ بِهِ عِلْمٌ فَلاَ تُطِعْهُمَا ﴾؛ أي أجْهَدَا عليكَ لتُشرَكَ بي جَهلاً بغيرِ علمٍ فَلاَ تُطِعْهُمَا، فإنَّ حقَّهما وإنْ عَظُمَ فليس بأعظمَ من حقِّي. وقَوْلُهُ تَعَالَى: ﴿ وَصَاحِبْهُمَا فِي ٱلدُّنْيَا مَعْرُوفاً ﴾؛ قال صلى الله عليه وسلم:" حُسْنُ الْمُصَاحَبَةِ أنْ تُطْعِمْهُمَا إذَا جَاعَا، وَتَكْسُوهُمَا إذَا عَرِيَا، وَعَاشِرْهُمَا عِشْرَةً جَمِيْلَةً "﴿ وَٱتَّبِعْ سَبِيلَ مَنْ أَنَابَ إِلَيَّ ﴾؛ أي واتَّبع طريقَ مَن رجعَ إلَيَّ؛ أي مَنْ سَلَكَ طريقَ مُحَمَّدٍ صلى الله عليه وسلم وأصحابهِ. والمعنى: واتَّبعِ دِينَ من أقبل إلى طَاعَتِي وهو النبيُّ صلى الله عليه وسلم. وقال عطاءُ عن ابنِ عبَّاس رَضِيَ اللهُ عَنْهُمْ: (يَعْنِي أبَا بَكْرٍ الصِّدِّيْقَ رضي الله عنه أنَّهُ حِيْنَ أتَاهُ عَبْدُالرَّحْمَنِ بْنُ عَوْفٍ وَسَعْدُ بْنُ أبي وَقَّاصٍ وَسَعِيْدُ بْنُ زَيْدٍ وَعُثْمَانُ وَطَلْحَةُ وَالزُّبَيْرُ فَقَالُواْ: يَا أبَا بَكْرٍ آمَنْتَ وَصَدَّقْتَ مُحَمَّداً؟ قَالَ: نَعَمْ، فَأَتَواْ رَسُولَ اللهِ صلى الله عليه وسلم فَآمَنُواْ بهِ وَصَدَّقُواْ، فَأَنْزَلَ اللهُ تَعَالَى يَقُولُ لِسَعْدٍ: (وَاتَّبعْ سَبيْلَ مَنْ أنَابَ إلَيَّ) يَعْنِي أبَا بَكْرٍ الصِّدِّيْقَ رضي الله عنه). ويستدلُّ مِن قولهِ تعالى ﴿ وَصَاحِبْهُمَا فِي ٱلدُّنْيَا مَعْرُوفاً ﴾ على أنَّ الابنَ لا يستحقُّ القَوَدَ على أبيهِ، ولا يُحَدُّ الأبُ بقَذفَةِ الابنِ، ولا يحبسُ الأبُ بدَينِ الابنِ، لأن في إيجاب القَوَدِ والحدِّ والحبسِ له عليه ما يُنافِي مُصَاحبتَهما. وعن أبي يوسفَ: (أنَّ الْقَاضِي يَأْمُرُ الأبَ بقَضَاءِ دَيْنِ الابْنِ، فَإنْ تَمَرَّدَ حَبَسَهُ لاسْتِخْفَافِ أمْرِهِ) وقال محمَّدُ بن الحسنِ: (يُحْبَسُ الأَبُ فِي نَفَقَةِ الابْنِ الصَّغِيْرِ، وَلاَ يُحْبَسُ بالدِّيْنِ الَّذِي لَهُ عَلَيْهِ؛ لأنَّهُ لَوْ لَمْ يُحْبَسْ فِي نَفَقَةِ الصَّغِيْرِ لَتَضَرَّرَ الْوَلَدُ). قَوْلُهُ تَعَالَى: ﴿ ثُمَّ إِلَيَّ مَرْجِعُكُمْ ﴾؛ أي مرجِعُكم ومرجعُ آبائِكم.
﴿ فَأُنَبِّئُكُمْ بِمَا كُنتُمْ تَعْمَلُونَ ﴾؛ من الخيرِ والشرِّ. وقد تضمَّنت هذه الآيةُ النَّهيَ عن صُحبة الكفَّار والفُسَّاقِ، والترغيبَ في صُحبةِ الصالِحين لقولهِ تعالى ﴿ وَٱتَّبِعْ سَبِيلَ مَنْ أَنَابَ إِلَيَّ ﴾.