قَوْلُهُ تَعَالَى: ﴿ وَإِذَا غَشِيَهُمْ مَّوْجٌ كَٱلظُّلَلِ دَعَوُاْ ٱللَّهَ مُخْلِصِينَ لَهُ ٱلدِّينَ ﴾؛ أي إذَا أصابَهم في البحرِ مَوْجٌ كالجبالِ في الارتفاعِ دَعَوُا اللهَ مُخلِصِينَ له الدُّعاء.
﴿ فَلَمَّا نَجَّاهُمْ ﴾؛ من البحرِ وأهوالهِ.
﴿ إِلَى ٱلْبَرِّ فَمِنْهُمْ مُّقْتَصِدٌ ﴾؛ أي منهم مَن يثبتُ على ذلكَ، ومنهم مَن يجحَدُ. ثُم قال: ﴿ وَمَا يَجْحَدُ بِآيَاتِنَآ ﴾؛ أي لاَ ينكِرُ دلائلَ توحيدِنا.
﴿ إِلاَّ كُلُّ خَتَّارٍ ﴾؛ أي غَدَّارٍ.
﴿ كَفُورٍ ﴾؛ أي أكثرَ الكُفْرَ بآياتِ الله ونِعَمِهِ. والْخَتْرُ في اللُّغة: أقبحُ الغَدْر. والظُّلَلُ: جمعُ ظُلَّةٍ وهي السَّحابةُ التي ترتفعُ فتغَطِّي ما تحتَها. وإنَّ هذه الآيةَ كانت سببَ إسلامِ عِكْرِمَةَ بن أبي جهلٍ، وذلك أنَّهُ لَمَّا كَانَ يَوْمُ فَتْحِ مَكَّةَ، أمَّنَ النَّبيُّ صلى الله عليه وسلم النَّاسَ إلاَّ أرْبَعَةَ نَفَرٍ، فَإنَّهُ قَالَ:" اقْتُلُوهُمْ، وَلَوْ وَجَدْتُمُوهُمْ مُتَعَلِّقِيْنَ بأَسْتَار الْكَعْبَةِ: عِكْرِمَةُ بْنُ أبي جَهْلٍ، وَعَبْدُاللهِ بْنُ الأَخْطَلِ، وَمَقِيْسُ بْنُ صَبَابَةَ، وَعَبْدُاللهِ بْنُ سَعْدِ بنِ أبي سَرْحٍ ". فأمَّا عِكْرِمَةُ فَرَكِبَ فِي الْبَحْرِ، فَأَصَابَهُمْ ريْحٌ عَاصِفٌ، فَقَالَ أهْلُ السَّفِيْنَةِ: أخْلِصُواْ فَإنَّ آلِهَتَكُمْ لَمْ تُغْنِ عَنْكُمْ شَيْئاً هَا هُنَا، فَقَالَ عِكْرِمَةُ: (لَئِنْ لَمْ يُنَجِّنِي فِي الْبَحْرِ إلاَّ الإخْلاَصُ مَا يُنْجِيْنِي فِي الْبَرِّ غَيْرُهُ) ثُمَّ قَالَ: (اللَّهُمَّ إنَّ لَكَ عَهْداً إنْ أنْتَ عَافَيْتَنِي مِمَّا أنَا فِيْهِ أنْ آتِيَ مُحَمَّداً حَتَّى أضَعَ يَدِي فِي يَدِهِ) فَجَاءَ فَأَسْلَمَ.


الصفحة التالية
Icon