قَوْلُهُ تَعَالَى: ﴿ إِذْ جَآءُوكُمْ مِّن فَوْقِكُمْ وَمِنْ أَسْفَلَ مِنكُمْ وَإِذْ زَاغَتِ ٱلأَبْصَارُ ﴾ أي مَالَتْ عن كلِّ شيء، فلم تَنْظُرْ إلاَّ إلى عدُوِّها مُقبلاً مِن كلِّ جانب.
﴿ وَبَلَغَتِ ٱلْقُلُوبُ ٱلْحَنَاجِرَ ﴾، وَالْحَنْجَرَةُ جَوْفُ الْحَلْقِ. قال قتادةُ: (شَخَصَتِ الْقُلُوبُ مِنْ مَكَانِهَا، فَلَوْلاَ أنَّهُ ضَاقَ الْحُلْقُومُ عَنْهَا أنْ تَخْرُجَ لَخَرَجَتْ). وَقَوْلُهُ تَعَالَى: ﴿ وَجُنُوداً لَّمْ تَرَوْهَا ﴾ يعني الملائكةَ، بَعَثَ اللهُ ملائكةً على المشركين فقَلَعَتْ أوتادَ الخيلِ وأطْنَابَ الْفَسَاطِيْطِ، وأطفأَتِ النيرانَ وجالَتِ الخيلُ بعضُها في بعضٍ، وكَثُرَ تكبيرُ الملائكةِ في جوانب عسكَرِهم حتى وقعَ بهم الرعبُ فانْهَزَمُوا من غيرِ قتالٍ. قَوْلُهُ تَعَالَى: ﴿ إِذْ جَآءُوكُمْ مِّن فَوْقِكُمْ وَمِنْ أَسْفَلَ مِنكُمْ ﴾، أي مِن فوق الوادِي مِن قِبَلِ المشرقِ عليهم مالكُ بن عوفٍ البَصْرِيّ، وعُيَينَةُ بن حِصْنِ الفزَّاري في ألْفٍ مِنْ غَطَفَانَ.
﴿ وَمِنْ أَسْفَلَ مِنكُمْ ﴾، يعني مِن قِبَلِ المغرب فيهم أبُو سفيانَ في قُريشٍ ومَن تَبعَهُ، وأبو الأعْوَر السُّلمي من قِبَلِ الخندقِ. وكانَ مِن حديثِ الخندقِ:" أنَّ نَفَراً مِنَ الْيَهُودِ مِنْهُمْ حَييُّ بْنُ أخْطَبَ وَكِنَانَةُ بْنُ الرَّبْيعِ وَهَوْذةُ بْنِ قَيْسٍ وَأبُو عُمَارَةَ الْوَائِلِيُّ، وَجَمَاعَةٌ مِنْ بَنِي النَّضِيْرِ خَرَجُواْ حَتَّى قَدِمُواْ عَلَى قُرَيْشِ فَدَعَوْهُمْ إلَى حَرْبِ رَسُولِ اللهِ صلى الله عليه وسلم فَأَجَابُوهُمْ فَاجْتَمَعُواْ مَعَ قُرَيْشٍ. فَسَارَتْ وَقَائِدُهَا عُيَيْنَةُ بْنُ حُصَيْنٍ الْفَزَّاريُّ، وَسَارَتْ بَنُو مُرَّةً وَقَائِدُهَا الْحَارثُ بْنُ عَوْفٍ، وَسَارَتْ بَنُو أشْجَعَ وَقَائِدُهَا مُسْعِرُ بْنُ رَخَيْلَةَ الأَشْجَعِيُّ، وَسَارَتْ قُرَيْشُ وَقَائِدُهَا أبُو سُفْيَانَ. فَلَمَّا سَمِعَ بهِمْ رَسُولُ اللهِ صلى الله عليه وسلم ضَرَبَ الْخَنْدَقَ عَلَى الْمَدِيْنَةِ، وَكَانَ الَّذِي أشَارَ بالْخَنْدَقِ عَلَى رَسُولِ اللهِ صلى الله عليه وسلم سَلْمَانُ، فَقَالَ: يَا رَسُولَ اللهِ، إنَّا كُنَّا بفَارسَ إذا حُوصِرْنَا خَنْدَقْنَا. فَحَفَرَهُ رَسُولُ اللهِ صلى الله عليه وسلم وَالْمُسْلِمُونَ حَتَّى أحْكَمُوهُ. فَلَمَّا فَرَغَ رَسُولُ اللهِ صلى الله عليه وسلم مِنْ حَفْرِ الْخَنْدَقِ، أقْبَلَتْ قُرَيْشُ حَتَّى نَزَلَتْ بمَجْمَعِ الأَسْيَالِ مِن رُومَة، فَخَرَجَ رَسُولُ اللهِ صلى الله عليه وسلم وَالْمُسْلِمُونَ وَهُمْ ثَلاَثَةُ آلاَفٍ مِنَ الْمُسْلِمِيْنَ، فَكَانَ الْخَنْدَقُ بَيْنَهُمْ وَبَيْنَ الْمُشْرِكِيْنَ، وَعَظُمَ عِنْدَ ذلِكَ الْبَلاَءُ وَاشْتَدَّ الْخَوْفُ، وَأتَاهُمُ الْعَدُوُّ مِنْ فَوْقِهِمْ وَمِنْ أسْفَلَ مِنْهُمْ، حَتَّى ظَنَّ الْمُؤْمِنُونَ كُلَّ ظَنٍّ، وَظَهَرَ النِّفَاقُ فِي الْمُنَافِقِيْنَ، حَتَّى قَالَ مُعْتَبُ بْنُ بَشِيْرِ الْمُنَافِقُ: كَانَ مُحَمَّدُ وَعَدَنَا أنْ نَأْكُلَ كُنُوزَ كِسْرَى وَقَيْصَرَ، فَأَحَدُنَا لاَ يَقْدِرُ أنْ يَذْهَبَ إلَى الْغَائِطِ، مَا وَعَدَنَا اللهُ وَرَسُولُهُ إلاَّ غُرُوراً. فذلك قوله تعالى: ﴿ وَتَظُنُّونَ بِٱللَّهِ ٱلظُّنُونَاْ ﴾.
فَأَقَامَ النَّبيُّ صلى الله عليه وسلم وَأقَامَ الْكُفَّارُ مَعَهُ بضْعاً وَعِشْرِيْنَ لَيْلَةً قَرِيْباً مِنْ شَهْرٍ، وَلَمْ يَكُنْ بَيْنَ الْقَوْمِ إلاَّ الرَّمْيَ بالنَّبْلِ وَالْحَصَى وَالْحِصَار. فَلَمَّا اشْتَدَّ الْبَلاَءُ عَلَى النَّاسِ وَاسْتَطَالَ، بَعَثَ رَسُولُ اللهِ صلى الله عليه وسلم إلَى عُيَيْنَةَ بْنِ حُصَيْنِ وَإلَى الْحَارثِ بْنِ عَوْفٍ وَهُمَا قَائِدَا غَطَفَانَ، وَأعْطَاهُمَا ثُلْثَ ثِمَار الْمَدِيْنَةِ عَلَى أنْ يَرْجِعَا بمَنْ مَعَهُمَا مِنَ الْقَوْمِ، فَجَرَى بَيْنَهُمَا الصُّلْحُ حَتَّى وَقَعَ الْكِتَابُ وَلَمْ تَقَعِ الشَّهَادَةُ، فَذكَرَ ذلِكَ رَسُولُ اللهِ صلى الله عليه وسلم لِسَعْدِ بْنِ مُعَاذٍ وَسَعْدِ بْنِ عُبَادَةَ وَاسْتَشَارَهُمَا فِي ذلِكَ، فَقَالاَ: يَا رَسُولَ اللهِ؛ أهَذا شَيْءٌ أمَرَكَ اللهُ بهِ أمْ أمْرٌ تُحِبُّهُ أنْتَ أمْ أمْرٌ تَصْنَعُهُ لَنَا؟ فَإنْ كَانَ أمْراً مِنَ اللهِ لَكَ فَلاَ بُدَّ لَنَا مِنَ الْعَمَلِ بهِ، وَإنْ كَانَ أمْراً تُحِبُّهُ فَاصْنَعْ مَا شِئْتَ، وَإنْ كَانَ شَيْئاً تَصْنَعُهُ لَنَا فَعَرِّفْنَا بهِ، فَقَالَ صلى الله الله عليه وسلم: " بَلْ وَاللهِ مَا صَنَعْتُ ذلِكَ إلاَّ أنِّي رَأيْتُ الْعَرَبَ قَدْ رَمَتْكُمْ بقَوْسٍ وَاحِدَةٍ، وَكَالَبُوكُمْ مِنْ كُلِّ جَانِبٍ، فَأَرَدْتُ أنْ أكْسِرَ عَنْكُمْ شَوْكَتَهُمْ ". فَقَالَ سَعْدُ بْنُ مُعَاذٍ: يَا رَسُولَ اللهِ صلى الله عليه وسلم؛ لَقَدْ كُنَّا نَحْنُ وَهَؤُلاَءِ الْْقَوْمِ عَلَى الشِّرْكِ وَعِبَادَةِ الأَوْثَانِ لاَ نَعْبُدُ اللهَ وَلاَ نَعْرِفُهُ، وَهُمْ لاَ يَطْمَعُونَ أنْ يَأْكُلُوا مِنْ ثِمَارنَا تَمْرَةً إلاَّ قِرَاءً أوْ شِرَاءً، فَكَيْفَ وَقَدْ أكْرَمَنَا اللهُ بالإسْلاَمِ وَأعْزَّنَا بكَ نُعْطِيْهِمْ أمْوَالَنَا! مَا لَنَا بهَذا مِنْ حَاجَةٍ، وَاللهِ لاَ نُعْطِيْهِمْ إلاَّ السَّيْفَ حَتَّى يَحْكُمَ اللهُ بَيْنَنَا وَبَيْنَهُمْ، فقال صلى الله عليه وسلم: " فَأَنْتَ وَذاكَ ". فَتَنَاوَلَ سَعْدٌ الصَّحِيْفَةَ الَّتِي كَتَبُواْ فِيْهَا صُلْحَهُمْ فَمَحَاهَا. ثُمَّ إنَّهُمْ تَرَامَواْ بالنَّبْلِ، فَوَقَعَتْ رَمْيَةٌ فِي أكْحَلِ سَعْدِ بْنِ مُعَاذٍ فَقَطَعَتْهُ، رَمَاهُ ابْنُ الْغُرْفَةِ مِنْ قُرَيْشٍ، فَمَا زَالَ أكْحَلُهُ يَسِيْلُ دَماً حَتَّى خِيْفَ عَلَيْهِ، فَقَالَ سَعْدٌ: اللَّهُمَّ إنْ كُنْتَ أبْقَيْتَ مِنْ حَرْب قُرَيْشٍ فَأَبْقِنِي لَهَا، فَإنَّهُ لاَ شَيْءَ أحَبُّ إلَيَّ مِنْ جِهَادِ قَوْمٍ آذواْ رَسُولَ اللهِ صلى الله عليه وسلم وَكَذبُوهُ وَأخْرَجُوهُ، وَإنْ كُنْتَ وَضَعْتَ الْحَرْبَ بَيْنَنَا وَبَيْنَهُمْ فَاجْعَلْهُ لَنَا شَهَادَةً وَلاَ تُمِتْنِي حَتَّى تُقِرَّ عَيْنِي مِنْ بَنِي قُرَيْظَةَ. ثُمَّ أتَى نَعِيْمُ بْنُ مَسْعُودٍ الْغَطَفَانِيُّ إلَى رَسُولِ اللهِ صلى الله عليه وسلم فَقَالَ: يَا رَسُولَ اللهِ؛ قَدْ أسْلَمْتُ وَإنَّ قَوْمِي مِنْ غَطَفَانَ لَمْ يَعْلَمُواْ بإسْلاَمِي، فَمُرْنِي فِيْهِمْ بمَا شِئْتَ، فَقَالَ عليه السلام: " إنَّمَا أنْتَ رَجُلٌ وَاحِدٌ فَخَذِّلْ عَنَّا إنِ اسْتَطَعْتَ ". فَخَرَجَ نَعِيْمُ بْنُ مَسْعُودٍ حَتَّى أتَى بَنِي قُرَيْظَةَ، وَكَانَ لَهُمْ نَدِيْماً فِي الْجَاهِلِيَّةِ، فَقَالَ لَهُمْ: يَا بَنِي قُرَيْظَةَ؛ لَقَدْ عَلِِمْتُمْ وُدِّي لَكُمْ وَمَا بَيْنِي وَبَيْنَكُمْ مِنَ المَحَبَّةِ. قَالُواْ: صَدَقْتَ؛ لَسْتَ عِنْدَنَا بمُتَّهَمٍ. فَقَالَ لَهُمْ: إنَّ قُرَيْشاً وَغَطَفَانَ جَاءُوا لِحَرْب مُحَمَّدٍ، وَإنَّ قُرَيْشاً وَغَطَفَانَ لَيْسُوا كَهَيْئَتِكُمْ؛ لأنَّ هَذِهِ بَلَدُكُمْ وَبهَا أمْوَالُكُمْ وَأبْنَاؤُكُمْ وَنِسَاؤُكُمْ، لاَ تَقْدِرُونَ عَلَى أنْ تَحَوَّلُواْ إلَى غَيْرِكُمْ، وَإنَّ قُرَيْشاً وَغَطَفَانَ أمْوَالُهُمْ وَأوْلاَدُهُمْ وَنِسَاؤُهُمْ بَعِيدُونَ، إنْ رَأوْا لَهُمْ هَا هُنَا صَوْلَةً وَغَنِيْمَةً أخَذُوهَا، وَإنْ كَانَ غَيْرَ ذلِكَ لَحِقُواْ ببلاَدِهِمْ، وَخَلَّواْ بَيْنَكُمْ وَبَيْنَ هَذا الرَّجُلِ وَهُوَ رَجُلٌ ببَلَدِكُمْ لاَ طَاقَةَ لَكُمْ بهِ، فَلاَ تُقَاتِلُوهُ حَتَّى تَأْخُذُواْ رَهْناً مِنْ أشْرَافِ قُرَيْشٍ وَغَطَفَانَ يَكُونُونَ بأَيْدِيكُمْ ثِقَةً عَلَى أنْ يُقَاتِلُواْ مَعَكُمْ. فَقَالُواْ لَهُ: لَقَدْ أشَرْتَ برَأيٍ وَنَصِيْحَةٍ. ثُمَّ خَرَجَ حَتَّى أتَى قُرَيْشاً، فَقَالَ: يَا مَعْشَرَ قُرَيْشٍ؛ قَدْ عَرَفْتُمْ وُدِّي إيَّاكُمْ وَفِرَاقِي مُحَمَّداً، وَقَدْ بَلَغَنِي أمْراً رَأيْتُ حَقّاً عَلَيَّ أنْ أُبْلِغْكُمُوهُ نُصْحاً لَكُمْ، فَاكْتُمُواْ عَلَيَّ. قَالُواْ: نَفْعَلُ! قَالَ: اعْلَمُواْ أنَّ مَعْشَرَ الْيَهُودِ قَدْ نَدِمُواْ عَلَى مَا صَنَعُواْ فِيْمَا بَيْنَهُمْ وَبَيْنَ مُحَمَّدٍ، وَقَدْ أرْسَلُواْ إلَيْهِ: أنَّا قَدْ نَدِمْنَا عَلَى فِعْلِنَا، فَهَلْ يُرْضِيْكَ عَنَّا أنْ نَأْخُذ مِنَ الْقَبيْلَتَيْنِ قُرَيْشٍ وَغَطَفَانَ رجَالاً مِنْ أشْرَافِهِمْ فَنُعْطِيكَهُمْ فَتَضْرِبُ رقَابَهُمْ، ثُمَّ نَكُونُ مَعَكَ عَلَى مَنْ بَقِيَ مِنْهُمْ، فَقَالَ لَهُمْ: نَعَمْ، وَأنْتُمْ إذا بَعَثَتِ الْيَهُودُ إلَيْكُمْ يَلْتَمِسُونَ مِنْكُمْ رَهْناً مِنْ رجَالِكُمْ فَلاَ تَدْفَعُواْ إلَيْهِمْ رَجُلاً وَاحِداً. ثُمَّ خَرَجَ حَتَّى أتَى غَطَفَانَ فَقَالَ لَهُمْ: يَا مَعْشَرَ غَطَفَانَ؛ أنْتُمْ أصْلِي وَعَشِيْرَتِي وَأحَبُّ النَّاسِ إلَيَّ، وَلاَ أرَاكُمْ تَتَّهِمُونِي. قَالُواْ: صَدَقْتَ! قَالَ: فَاكْتُمُواْ عَلَيَّ، قَالَ لَهُمْ مِثْلَ مَا قَالَ لِقُرَيْشٍ وَحَذرَهُمْ مَا حَذرَهُمْ. فَأَرْسَلَ أبُو سُفْيَانَ وَرُؤُوسُ غَطَفَانَ إلَى يَهُودِ بَنِي قُرَيْظَةَ نَفَراً مِنْ قُرَيْشٍ وَغَطَفَانَ، فَأَتُوْهُمْ وَقَالُواْ لَهُمْ: قَدْ هَلَكَ الْخُفُّ وَالْحَافِرُ، فَأَعِدُّواْ لِلْقِتَالِ حَتَّى يَفْرَغَ مَا بَيْنَنَا وَبَيْنَ مُحَمَّدٍ. فَقَالَ بَنُو قُرَيْظَةَ: لَسْنَا بالَّّذِي نُقَاتِلُ مَعَكُمْ حَتَّى تُعْطُونَا رَهْناً مِنْ رجَالِكُمْ تَكُونُ ثِقَةً بأَيْدِيْنَا، فَإنَّا نَخَافُ أنَّكُمْ إذا اشْتَدَّ عَلَيْكُمُ الْحَرْبُ وَالْقِتَالُ أنْ تَسِيْرُواْ إلَى بلاَدِكُمْ وَتَتْرُكُونَا، وَهَذا الرَّجُلُ قَرِيْبٌ مِنْ بلاَدِنَا، وَلاَ طَاقَةَ لَنَا بهِ. فَرَجَعَتِ الرُّسُلُ بمَا قَالَتْ بَنُو قُرَيْظَةَ، فَقَالَتْ قُرَيْشُ وَغَطَفَانُ: وَاللهِ إنَّ الَّذِي حَدَّثَنَا بهِ نَعِيْمُ بْنُ مَسْعُودٍ لَحَقٌّ. وَأرْسَلُواْ إلَى بَنِي قُرَيْظَةَ: وَاللهِ لاَ نَدْفَعُ إلَيْكُمْ رَجُلاً وَاحِداً مِنْ رجَالِنَا، وَلَكِنَّكُمْ إنْْ كُنْتُمْ تُرِيْدُونَ الْحَرْبَ فَاخْرُجُواْ مَعَنَا فَقَاتِلُواْ وَنَحْنُ مَعَكُمْ. قَالَتْ بَنُو قُرَيْظَةَ: لاَ نُقَاتِلُ إلاَّ إذا أعْطَيْتُمُونَا رَهْناً مِنْ رجَالِكُمْ. فَقَالُواْ لَهُمْ: حَدَّثَنَا نَعِيْمُ بْنُ مَسْعُودٍ بذلِكَ فَلَمْ نُصَدِّقْهُ، فَقَالُواْ لَهُمْ: إنَّ الَّذِي ذكَرَهُ لَكُمْ حَقٌّ. وَخَذلَ اللهُ بَيْنَهُمْ، وَبَعَثَ عَلَيْهِمْ الرِّيْحَ فِي لَيْْلَةٍ شَاتِيَةٍ شَدِيْدَةِ الْبَرْدِ حَتَّى انْصَرَفُواْ رَاجِعِيْنَ، وَالْحَمْدُ للهِ رَب الْعَالَمِيْنَ ". قَوْلُهُ تَعَالَى: ﴿ وَتَظُنُّونَ بِٱللَّهِ ٱلظُّنُونَاْ ﴾، فأمَّا المنافقونَ فظَنُّوا أنَّ مُحَمَّداً وأصحابَهُ سَيُغلبون ويُستأصَلون، وأما المؤمنونَ فأيقَنُوا أنَّ ما وعدَهم اللهُ تعالى حقٌّ، وأنه سيُظْهِرُ دِيْنَهُ على الدِّين كلِّه ولو كَرِهَ المشركونَ. قال الحسنُ في معنى: ﴿ وَتَظُنُّونَ بِٱللَّهِ ٱلظُّنُونَاْ ﴾: (يَعْنِي ظَنَّ الْمُؤْمِنُونَ باللهِ خَيْراً، وَظَنَّ الْمُنَافِقُونَ أنَّ الْكَافِرِيْنَ ظَهَرُواْ عَلَى الْمُؤْمِنِيْنَ). قرأ نافعُ وعاصم وابنُ عامر: (الظُّنُونَا) و(الرَّسُولاَ) و(السَّبيْلاَ) بإثباتِ الألف فيها وَقْفاً ووَصْلاً لأنه من أواخرِ الآي، وقرأ أبو عمرٍو بغير ألفٍ وقفاً ووَصْلاً، وقرأ الباقون بالألفِ في الوقفِ دون الوصلِ.


الصفحة التالية
Icon