قَوْلُهُ تَعَالَى: ﴿ إِنَّ ٱلْمُسْلِمِينَ وَٱلْمُسْلِمَاتِ وَٱلْمُؤْمِنِينَ وَٱلْمُؤْمِنَاتِ ﴾؛ الآيةُ، قال قتادةُ: (لَمَّا ذكَرَ اللهُ أزْوَاجَ النَّبيِّ صلى الله عليه وسلم دَخَلَ نِسَاءٌ مِنَ الْمُسْلِمَاتِ عَلَيْهِنَّ؛ فَقُلْنَ: ذُكْرِتُنَّ وَلَمْ نُذْكَرْ! فَأَنْزَلَ اللهُ هَذِهِ الآيَةَ). وقال مقاتلُ:" لَمَّا رَجَعَتْ أسْمَاءُ بنْتُ عُمَيْسٍ مِنَ الْحَبَشَةِ مَعَ زَوْجِهَا جَعْفَرِ بْنِ أبي طَالِبٍ، دَخَلَتْ عَلَى نِسَاءِ رَسُولِ اللهِ صلى الله عليه وسلم؛ فَقَالَتْ: هَلْ نَزَلَ فِيْنَا شَيْءٌ مِنَ الْقُرْآنِ؟ قُلْنَ: لاَ. فَأَتَتْ رَسُولَ اللهِ صلى الله عليه وسلم فَقَالَتْ: يَا رَسُولَ اللهِ إنَّ النِّسَاءَ لَفِي خَيْبَةٍ وَخَسَارَةٍ! قَالَ: " وَمِمَّ ذلِكَ؟ " قَالَتْ: لأَنَّهُنَّ لاَ يُذْكَرْنَ بخَيْرٍ كَمَا يُذْكَرُ الرِّجَالُ. فَأَنْزَلَ اللهُ هَذِهِ الآيةِ ". وقال مقاتلُ: (قَالَتْ أُمُّ سَلَمَةَ بنْتُ أبي أُمَيَّةَ وَنُسَيْبَةُ بنْتُ كَعْبٍ الأَنْصَاريَّةُ لِلنَّبيِّ صلى الله عليه وسلم: مَا بَالُ ربنَا يَذْكُرُ الرِّجَالَ وَلاَ يَذْكُرُ النِّسَاءَ فِي شَيْءٍ مِنْ كِتَابهِ، فَعَسَى أنْ لاَ يَكُونَ فِيْهِنَّ خَيْرٌ، وَلاَ للهِ فِيْهِنَّ حَاجَةٌ. فَأَنْزَلَ اللهُ هَذِهِ الآيَةَ). وَقِيْلَ: إنَّ أزواجَ النبيِّ صلى الله عليه وسلم قُلْنَ: (يَا رَسُولَ اللهِ! ذكَرَ اللهُ عَزَّ وَجَلَّ الرِّجَالَ فِي الْقُرْآنِ، وَلَمْ يَذْكُرِ النِّسَاءَ بخَيْرٍ، فَمَا فِيْنَا خَيْرٌ نُذْكَرُ بهِ، إنَّا نَخَافُ أنْ لاَ يَتَقَبَّلَ مِنَّا طَاعَةً). فأنزلَ اللهُ هذه الآيةَ. وَاعْلَمْ: أنَّ الرجالَ والنساء يُجَازَوْنَ بأعمالِهم الصالحة مغفرةً لذِنوبهم وأجْراً عظيماً. ومعنى الآيةِ: ﴿ إِنَّ ٱلْمُسْلِمِينَ وَٱلْمُسْلِمَاتِ ﴾ يعني الْمُخْلِصِيْنَ بالتَّوحيدِ والمخلِصاتِ ﴿ وَٱلْمُؤْمِنِينَ وَٱلْمُؤْمِنَاتِ ﴾ أي المصدِّقِين بالتوحيدِ والْمُصَدِّقَاتِ. والإسلامُ في اللغةِ: هو الانْقِيَادُ وَالاسْتِسْلاَمُ. والإيْمَانُ في اللغة: هو التَّصْدِيْقُ، غيرَ أنَّ معنى الإسلامِ والإيمان في هذه الآية واحدٌ. قَوْلُهُ تَعَالَى: ﴿ وَٱلْقَانِتِينَ وَٱلْقَانِتَاتِ ﴾؛ أي الْمُطِيعِينَ للهَ في أوامرهِ ونواهيه والْمُطِيْعَاتِ. والقَانِتُ: هو الْمُوَاظِبُ على الطاعةِ، والقُنُوتُ: طُولُ القيامِ في الصَّلواتِ. وقَوْلُهُ تَعَالَى: ﴿ وَٱلصَّادِقِينَ وَٱلصَّادِقَاتِ ﴾؛ يعني الصَّادِقينَ في إيْمانِهم والصَّادِقاتِ. وقَوْلُهُ تَعَالَى: ﴿ وَٱلصَّابِرِينَ وَٱلصَّابِرَاتِ ﴾؛ الصَّابرُ: هو الذي يَحْبسُ نفسَهُ عن جميعِ ما يجبُ الصَّبرُ عنهُ، ويصبرُ على جميعِ ما يجبُ الصبر عليهِ. وقَوْلُهُ تَعَالَى: ﴿ وَٱلْخَاشِعِينَ وَٱلْخَاشِعَاتِ وَٱلْمُتَصَدِّقِينَ وَٱلْمُتَصَدِّقَاتِ ﴾؛ يعني بالْمُتَصَدِّقِيْنَ الذين يُؤدُّونَ ما عليهم مِن الصَّدقة المفروضةِ. ويقالُ: أرادَ به جميعَ الصَّدقاتِ. وأما الخاشِعُ: فهو الْمُتَوَاضِعُ للهِ تعالى وللناسِ. وقَوْلُهُ تَعَالَى: ﴿ وٱلصَّائِمِينَ وٱلصَّائِمَاتِ ﴾؛ يعني الصَّائمين صومَ الفرضِ بنيَِّةٍ صادقةٍ، ولكن فِطْرُهُمْ على حَلالٍ. قال ابنُ عبَّاس: (مَنْ صَامَ شَهْرََ رَمَضَانَ وَثَلاَثَةَ أيَّامٍ مِنْ كُلِّ شَهْرٍ الْغُرِّ الْبيْضِ، كَانَ مِنْ أهْلِ هَذِهِ الآيَةِ، وَيُؤْتُوْنَ يَوْمَ الْقِيَامَةِ بمَائِدَةٍ مِنَ الْجَنَّةِ، يَأْكُلُونَ مِنْهَا وَالنَّاسُ فِي شِدَّةٍ، وَيُظِلُّهُمُ اللهُ تَحْتَ ظِلِّ عَرْشِهِ وَالنَّاسُ فِي شِدَّةٍ، وَيَنْفَحُ مِنْ أفْوَاهِهِمْ ريْحُ الْمِسْكِ). وقوله تعالى: ﴿ وَٱلْحَافِظِينَ فُرُوجَهُمْ وَٱلْحَافِـظَاتِ ﴾؛ أي عمَّا لا يحلُّ، وقَوْلُهُ تَعَالَى: ﴿ وَٱلذَّاكِـرِينَ ٱللَّهَ كَثِيراً وَٱلذَّاكِرَاتِ ﴾؛ قِيْلَ: أرادَ به الذِّكْرَ في الصَّلواتِ الخمسِ. وَقِيْلَ: أرادَ به الذِّكْرَ باللِّسانِ والقلب في جميعِ الأحوال. قال ابنُ عبَّاس: (يُرِيْدُ فِي أدْبَار الصَّلَوَاتِ غُدُوّاً وَعَشِيّاً وَفِي الْمَضَاجِعِ، وَكُلَّمَا اسْتَيْقَظَ مِنْ نَوْمِهِ، وَكُلَّمَا غَدَا وَرَاحَ مِنْ مَنْزِلِهِ ذكَرَ اللهَ). وقال مجاهدُ: (لاَ يَكُونُ الرَّجُلُ مِنَ الذاكِرِيْنَ كَثِيْراً حَتَّى يَذْكُرَ اللهَ قَائِماً وَقَاعِداً وَمُضْطَجِعاً). وعن أبي هريرةَ؛ قال: قَالَ رَسُولُ اللهِ صلى الله عليه وسلم:" مَنِ اسْتَيْقَظَ مِنَ اللَّيْلِ وَأيْقَظَ امْرَأتَهُ فَصَلَّيَا رَكْعَتَيْنِ رَكْعَتَيْنِ، كُتِبَا مِنَ الذاكِرِيْنَ اللهَ كَثِيْراً وَالذاكِرَاتِ "وقَوْلُهُ تَعَالَى: ﴿ أَعَدَّ ٱللَّهُ لَهُم مَّغْفِرَةً وَأَجْراً عَظِيماً ﴾؛ وهو الجنَّةُ.